للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْجَمْعِ، فَانْعَقَدَتْ بِهِ الْجَمَاعَةُ كَالْأَرْبَعِينَ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] وَهَذِهِ صِيغَةُ الْجَمْعِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الثَّلَاثَةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَنْعَقِدُ بِأَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ، أَشْبَهَ الْأَرْبَعِينَ.

وَقَالَ رَبِيعَةُ: تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «أَنَّهُ كَتَبَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ بِالْمَدِينَةِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ عِنْدَ الزَّوَالِ رَكْعَتَيْنِ، وَأَنْ يَخْطُبَ فِيهِمَا فَجَمَّعَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي بَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا» . وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَدِمَتْ سُوَيْقَةٌ، فَخَرَجَ النَّاسُ إلَيْهَا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، أَنَا فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: ١١] . إلَى آخِرِ الْآيَةِ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَمَا يُشْتَرَطُ لِلِابْتِدَاءِ يُشْتَرَطُ لِلِاسْتِدَامَةِ. وَلَنَا، مَا رَوَى كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنَا أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، فِي هَزْمِ النَّبِيتِ، مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، فِي نَقِيعٍ يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ قُلْتُ لَهُ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ.

وَرَوَى خُصَيْفٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَهَا جُمُعَةً. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ: مَضَتْ السُّنَّةُ. يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَأَمَّا مَنْ رَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَلَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ مَا رَوَيْنَاهُ أَصَحُّ مِنْهُ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. وَالْخَبَرُ الْآخَرُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ عَادُوا فَحَضَرُوا الْقَدْرَ الْوَاجِبَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ.

فَأَمَّا الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ فَتَحَكُّمٌ بِالرَّأْيِ فِيمَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ، فَإِنَّ التَّقْدِيرَاتِ بَابُهَا التَّوْقِيفُ، فَلَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا، وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ جَمْعًا، وَلَا لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْجَمْعِ، إذْ لَا نَصَّ فِي هَذَا وَلَا مَعْنَى نَصٍّ، وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ كَافِيًا فِيهِ، لَاكْتُفِيَ بِالِاثْنَيْنِ، فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ تَنْعَقِدُ بِهِمَا. (١٣٣٨)

فَصْلٌ: فَأَمَّا الِاسْتِيطَانُ، فَهُوَ شَرْطٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي قَرْيَةٍ، عَلَى الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ، لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا صَيْفًا وَلَا شِتَاءً، وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ وَلَا عَلَى مُقِيمٍ فِي قَرْيَةٍ يَظْعَنُ أَهْلُهَا عَنْهَا فِي الشِّتَاءِ دُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>