الصَّيْفِ، أَوْ فِي بَعْضِ السَّنَةِ فَإِنْ خَرِبَتْ الْقَرْيَةُ أَوْ بَعْضُهَا، وَأَهْلُهَا مُقِيمُونَ بِهَا، عَازِمُونَ عَلَى إصْلَاحِهَا، فَحُكْمُهَا بَاقٍ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِهَا. وَإِنْ عَزَمُوا عَلَى النُّقْلَةِ عَنْهَا، لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ؛ لِعَدَمِ الِاسْتِيطَانِ
فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا، الْحُرِّيَّةُ. وَنَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالثَّانِي، إذْنُ الْإِمَامِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَالثَّانِيَةُ: هُوَ شَرْطٌ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِيمُهَا إلَّا الْأَئِمَّةُ فِي كُلِّ عَصْرٍ، فَصَارَ ذَلِكَ إجْمَاعًا.
وَلَنَا، أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، وَصَوَّبَ ذَلِكَ عُثْمَانُ وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ مَعَهُمْ، فَرَوَى حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَأَنْتَ إمَامُ الْعَامَّةِ، وَهُوَ يُصَلِّي بِنَا إمَامُ فِتْنَةٍ، وَأَنَا أَتَحَرَّجُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَهُ. فَقَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَحْسَنِ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنُوا فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُمْ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْأَثْرَمُ، وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ بِالشَّامِ تِسْعَ سِنِينَ، فَكَانُوا يُجَمِّعُونَ. وَرَوَى مَالِكٌ، فِي " الْمُوَطَّأِ " عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ أَنَّهُ رَأَى صَاحِبَ الْمَقْصُورَةِ فِي الْفِتْنَةِ حِينَ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ النَّاسَ، يَقُولُ: مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. حَتَّى انْتَهَى إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: تَقَدَّمْ أَنْتَ فَصَلِّ بَيْنَ يَدَيْ النَّاسِ
وَلِأَنَّهَا مِنْ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهَا إذْنُ الْإِمَامِ، كَالظُّهْرِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ أَشْبَهَتْ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ، وَمَا ذَكَرُوهُ إجْمَاعًا لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ النَّاسَ يُقِيمُونَ الْجُمُعَاتِ فِي الْقُرَى مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِ أَحَدٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ إلَّا ذَلِكَ لَكَانَ إجْمَاعًا عَلَى جَوَازِ مَا وَقَعَ، لَا عَلَى تَحْرِيمِ غَيْرِهِ، كَالْحَجِّ يَتَوَلَّاهُ الْأَئِمَّةُ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ. فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ شَرْطٌ فَلَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ فِيهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلُّوا جُمُعَةً وَصَلَّوْا ظُهْرًا.
وَإِنْ أَذِنَ فِي إقَامَتِهَا ثُمَّ مَاتَ، بَطَلَ إذْنُهُ بِمَوْتِهِ، فَإِنْ صَلَّوْا، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَهَلْ تُجْزِئُهُمْ صَلَاتُهُمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: أَصَحُّهُمَا، أَنَّهَا تُجْزِئُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَمْصَارِ النَّائِيَةِ عَنْ بَلَدِ الْإِمَامِ لَا يُعِيدُونَ مَا صَلَّوْا مِنْ الْجُمُعَاتِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ يَشُقُّ؛ لِعُمُومِهِ فِي أَكْثَرِ الْبُلْدَانِ
وَإِنْ تَعَذَّرَ إذْنُ الْإِمَامِ لِفِتْنَةٍ، فَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّتُهَا بِغَيْرِ إذْنٍ، عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْإِذْنُ مُعْتَبَرًا مَعَ إمْكَانِهِ، وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِتَعَذُّرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute