للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ عِنْدَهُمَا يس غُفِرَ لَهُ» .

[فَصْلُ أَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ نَفَعَهُ ذَلِكَ]

فَصْلٌ: وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا، وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ، نَفَعَهُ ذَلِكَ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَمَّا الدُّعَاءُ، وَالِاسْتِغْفَارُ، وَالصَّدَقَةُ، وَأَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ، فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إذَا كَانَتْ الْوَاجِبَاتُ مِمَّا يَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: ١٠] . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: ١٩] .

«وَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي سَلَمَةَ حِينَ مَاتَ» ، وَلِلْمَيِّتِ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَلِكُلِّ مَيِّتٍ صَلَّى عَلَيْهِ. وَلِذِي النِّجَادَيْنِ حَتَّى دَفَنَهُ. وَشَرَعَ اللَّهُ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ «وَسَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ، فَيَنْفَعُهَا إنْ تَصَدَّقْت عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ.

«وَجَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى.» «وَقَالَ لِلَّذِي سَأَلَهُ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ» .

وَهَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ، وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِسَائِرِ الْقُرَبِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ وَالدُّعَاءَ وَالِاسْتِغْفَارَ عِبَادَاتٌ بَدَنِيَّةٌ، وَقَدْ أَوْصَلَ اللَّه نَفْعَهَا إلَى الْمَيِّتِ، فَكَذَلِكَ مَا سِوَاهَا، مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَدِيثِ فِي ثَوَابِ مَنْ قَرَأَ يس، وَتَخْفِيفِ اللَّه تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْمَقَابِرِ بِقِرَاءَتِهِ. وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: لَوْ كَانَ أَبُوك مُسْلِمًا، فَأَعْتَقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ، بَلَغَهُ ذَلِكَ» . وَهَذَا عَامٌ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ عَمَلُ بِرٍّ وَطَاعَةٍ، فَوَصَلَ نَفْعُهُ وَثَوَابُهُ، كَالصَّدَقَةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ الْوَاجِبِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا عَدَا الْوَاجِبَ وَالصَّدَقَةَ وَالدُّعَاءَ وَالِاسْتِغْفَارَ، لَا يُفْعَلُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَا يَصِلُ ثَوَابُهُ إلَيْهِ؛ لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] . وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» . وَلِأَنَّ نَفْعَهُ لَا يَتَعَدَّى فَاعِلَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>