للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ انْقَطَعَ حَيْضُ الْمَرْأَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَلَمَّا تَغْتَسِلْ فَهَلْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِطُهْرِهَا]

(٦٠٨١) فَصْلٌ: إذَا انْقَطَعَ حَيْضُ الْمَرْأَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ، وَلَمَّا تَغْتَسِلْ، فَهَلْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِطُهْرِهَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ حَامِدٍ؛ إحْدَاهُمَا، لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ، وَلِزَوْجِهَا رَجْعَتُهَا فِي ذَلِكَ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْعِدَّةِ: فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، أُبِيحَتْ لِلْأَزْوَاجِ. وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَأَبِي مُوسَى، وَعُبَادَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَرُوِيَ عَنْ شَرِيكٍ: لَهُ الرَّجْعَةُ وَإِنْ فَرَّطَتْ فِي الْغُسْلِ عِشْرِينَ سَنَةً.

وَوَجْهُ هَذَا قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ أَكْثَرِ أَحْكَامِ الْحَيْضِ لَا تَزُولُ إلَّا بِالْغُسْلِ، وَكَذَلِكَ هَذَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِمُجَرَّدِ الطُّهْرِ قَبْلَ الْغُسْلِ. وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] . وَالْقُرْءُ: الْحَيْضُ. وَقَدْ زَالَتْ، فَيَزُولُ التَّرَبُّصُ. وَفِيمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «وَقُرْءُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ. وَقَالَ: دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكَ» . يَعْنِي أَيَّامَ حَيْضِكِ.

وَلِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ تَتَعَلَّقُ بِهِ بَيْنُونَتهَا مِنْ الزَّوْجِ، وَحِلُّهَا لِغَيْرِهِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِفِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ تَعْلِيقِ الزَّوْجِ، كَالطَّلَاقِ وَسَائِرِ الْعَدَدِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ تَرَكَتْ الْغُسْلَ اخْتِيَارًا أَوْ لِجُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ، لَمْ تَحِلَّ؛ أَمَّا أَنْ يُقَالَ بِقَوْلِ شَرِيكٍ، أَنَّهَا تَبْقَى مُعْتَدَّةً وَلَوْ بَقِيَتْ عِشْرِينَ سَنَةً. وَذَلِكَ خِلَافُ قَوْلِ اللَّهِ: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] . فَإِنَّهَا تَصِيرُ عِدَّتُهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ قُرْءٍ. أَوْ يُقَالُ: تَنْقَضِي الْعِدَّةُ قَبْلَ الْغُسْلِ، فَيَكُونُ رُجُوعًا عَنْ قَوْلِهِمْ وَيُحْمَلُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ فِي قَوْلِهِمْ: حَتَّى تَغْتَسِلَ. أَيْ: يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ.

[فَصْلٌ تَزَوَّجَتْ الرَّجْعِيَّةُ فِي عِدَّتِهَا وَحَمَلَتْ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي]

(٦٠٨٢) فَصْلٌ: إذَا تَزَوَّجَتْ الرَّجْعِيَّةُ فِي عِدَّتِهَا، وَحَمَلَتْ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي، انْقَطَعَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ بِوَطْءِ الثَّانِي. وَهَلْ يَمْلِكُ الزَّوْجُ رَجْعَتَهَا فِي عِدَّةِ الْحَمْلِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>