(٦٩٦٩) فَصْلٌ: وَلَيْسَ فِي مُوضِحَةِ غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ مُقَدَّرٌ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ إمَامُنَا، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا يَكُونُ فِي الْبَدَنِ مُوضِحَةٌ. يَعْنِي لَيْسَ فِيهَا مُقَدَّرٌ. قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ إلَّا اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ، قَالَ: الْمُوضِحَةُ تَكُونُ فِي الْجَسَدِ أَيْضًا. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي جِرَاحَةِ الْجَسَدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ جِرَاحَةِ الرَّأْسِ. وَحُكِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، قَالَ: فِي الْمُوضِحَةِ فِي سَائِرِ الْجَسَدِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا. وَلَنَا، أَنَّ اسْمَ الْمُوضِحَةِ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْجِرَاحَةِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ، وَقَوْلُ الْخَلِيفَتَيْنِ الرَّاشِدَيْنِ: الْمُوضِحَةُ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ سَوَاءٌ.
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَاقِيَ الْجَسَدِ بِخِلَافِهِ، وَلِأَنَّ الشَّيْنَ فِيمَا فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ أَكْثَرُ وَأَخْطَرُ مِمَّا فِي سَائِرِ الْبَدَنِ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ، ثُمَّ إيجَابُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ يُفْضِي إلَى أَنْ يَجِبَ فِي مُوضِحَةِ الْعُضْوِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَتِهِ، مِثْلُ أَنْ يُوضِحَ أُنْمُلَةً دِيَتُهَا ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ، وَدِيَةُ الْمُوضِحَةِ خَمْسَةٌ. وَأَمَّا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، فَتَحَكُّمٌ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِيهِ، فَيَجِبُ اطِّرَاحُهُ.
[فَصْلٌ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسَهُ وَجَرّ السِّكِّين إلَى قَفَاهُ]
(٦٩٧٠) فَصْلٌ: وَإِنْ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ، وَجَرَّ السِّكِّينَ إلَى قَفَاهُ، فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَةٍ، وَحُكُومَةٌ لِجُرْحِ الْقَفَا؛ لِأَنَّ الْقَفَا لَيْسَ بِمَوْقِعٍ لِلْمُوضِحَةِ. وَإِنْ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ، وَمَدَّهَا إلَى وَجْهِهِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهَا مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ وَالرَّأْسَ سَوَاءٌ فِي الْمُوضِحَةِ، فَصَارَ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ. وَالثَّانِي؛ هُمَا مُوضِحَتَانِ؛ لِأَنَّهُ أَوْضَحَهُ فِي عُضْوَيْنِ، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ وَنَزَلَ إلَى الْقَفَا.
[فَصْلٌ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسَهُ مُوضِحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِز]
(٦٩٧١) فَصْلٌ: وَإِنْ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ مُوضِحَتَيْنِ، بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ، فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا مُوضِحَتَانِ. فَإِنْ أَزَالَ الْحَاجِزَ الَّذِي بَيْنَهُمَا، وَجَبَ أَرْشُ مُوضِحَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ الْجَمِيعُ بِفِعْلِهِ مُوضِحَةً، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْضَحَ الْكُلَّ مِنْ غَيْرِ حَاجِزٍ يَبْقَى بَيْنَهُمَا. وَإِنْ انْدَمَلَتَا، ثُمَّ أَزَالَ الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا، فَعَلَيْهِ أَرْشُ ثَلَاثِ مَوَاضِحَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأُولَيَيْنِ بِالِانْدِمَالِ، ثُمَّ لَزِمَتْهُ دِيَةُ الثَّالِثَةِ. وَإِنْ تَآكَلَ مَا بَيْنَهُمَا قَبْلَ انْدِمَالِهِمَا فَزَالَ، لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ سِرَايَةَ فِعْلِهِ كَفِعْلِهِ. وَإِنْ انْدَمَلَتْ إحْدَاهُمَا وَزَالَ الْحَاجِزُ بِفِعْلِهِ، أَوْ سِرَايَةِ الْأُخْرَى، فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ.
وَإِنْ أَزَالَ الْحَاجِزَ أَجْنَبِيٌّ، فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ، وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ مُوضِحَةٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَ أَحَدِهِمَا لَا يَنْبَنِي عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ، فَانْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُكْمِ جِنَايَتِهِ. وَإِنْ أَزَالَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، وَجَبَ عَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِجِنَايَتِهِ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ. فَإِنْ اخْتَلَفَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute