وَقَوْلُهُ: إنَّهُ تَبَعٌ قُلْنَا: إنَّمَا هُوَ تَبَعٌ فِي الِاسْتِبَاحَةِ، لَا فِي الْفِعْلِ، كَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَغَيْرِهِمَا.
وَإِنْ نَوَى نَافِلَةً أُبِيحَتْ لَهُ، وَأُبِيحَ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَمَسُّ الْمُصْحَفِ، وَالطَّوَافُ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ آكَدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَتَيْنِ مُشْتَرَطَتَانِ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي اشْتِرَاطِهِمَا لِمَا سِوَاهَا خِلَافٌ، فَيَدْخُلُ الْأَدْنَى فِي الْأَعْلَى، كَدُخُولِ النَّافِلَةِ فِي الْفَرِيضَةِ؛ وَلِأَنَّ النَّفَلَ يَشْتَمِلُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَنِيَّةُ النَّفْلِ تَشْمَلُهُ وَإِنْ نَوَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُبَحْ لَهُ التَّنَفُّلُ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى، فَلَا يَسْتَبِيحُ الْأَعْلَى بِنِيَّتِهِ، كَالْفَرْضِ مَعَ النَّفْلِ. وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلطَّوَافِ أُبِيحَ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَاللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ صَلَاةٌ، وَيُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَتَانِ، وَلَهُ نَفْلٌ وَفَرْضٌ، وَيَدْخُلُ فِي ضِمْنِهِ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ. وَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا لَمْ يَسْتَبِحْ الطَّوَافَ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى مِنْهُمَا.
وَإِنْ نَوَى فَرْضَ الطَّوَافِ، اسْتَبَاحَ نَفْلَهُ. وَإِنْ نَوَى نَفْلَهُ، لَمْ يَسْتَبِحْ فَرْضَهُ كَالصَّلَاةِ. وَإِنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لِكَوْنِهِ جُنُبًا، أَوْ اللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ مَسَّ الْمُصْحَفِ، لَمْ يَسْتَبِحْ غَيْرَ مَا نَوَاهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " وَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ، وَلَا مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، فَلَمْ يَسْتَبِحْهُ، كَمَا لَا يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ إذَا لَمْ يَنْوِهِ.
[فَصْل تَيَمَّمَ الصَّبِيُّ لِإِحْدَى الصَّلَوَات الْخَمْسِ ثُمَّ بَلَغَ]
(٣٦١) فَصْلٌ: وَإِنْ تَيَمَّمَ الصَّبِيُّ لِإِحْدَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، ثُمَّ بَلَغَ، لَمْ يَسْتَبِحْ بِتَيَمُّمِهِ فَرْضًا؛ لِأَنَّ مَا نَوَاهُ كَانَ نَفْلًا، وَيُبَاحُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِهِ، كَمَا لَوْ نَوَى بِهِ الْبَالِغُ النَّفَلَ. فَأَمَّا إنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ بَلَغَ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَرْضًا وَنَفْلًا؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لِلنَّفْلِ يُبِيحُ فِعْلَ الْفَرْضِ.
[مَسْأَلَة يَمْسَحُ الْمُتَيَمِّم وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ]
(٣٦٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ) لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ مَسْحِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦] وَيَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِهِ، وَاسْتِيعَابُ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنْهَا، لَا يَسْقُطُ مِنْهَا إلَّا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَمَا تَحْتَ الشُّعُورِ الْخَفِيفَةِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد: يُجْزِئُهُ إنْ لَمْ يُصِبْ إلَّا بَعْضَ وَجْهِهِ وَبَعْضَ كَفَّيْهِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦] وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: فَامْسَحُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ مِنْهُ.
فَيَجِبُ تَعْمِيمُهُمَا، كَمَا يَجِبُ تَعْمِيمُهُمَا بِالْغَسْلِ؛ لِقَوْلِهِ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] . فَيَضْرِبُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، فَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ إلَى الْكُوعَيْنِ بِبَاطِنِ رَاحَتَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَيُخَلِّلَ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَلَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الرَّاحَتَيْنِ قَدْ سَقَطَ بِإِمْرَارِ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَى ظَهْرِ الْكَفِّ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: رَأَيْت التَّيَمُّمَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ قَدْ أَسْقَطَ تَرْتِيبًا مُسْتَحَقًّا فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَعْتَدُّ بِمَسْحِ بَاطِنِ يَدَيْهِ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute