[فَصْلٌ دِيَة ضَرَبَ أَنْفه فَأَشَلّهُ]
(٦٩١٩) فَصْلٌ: فَإِنْ ضَرَبَ أَنْفَهُ فَأَشَلَّهُ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ. وَإِنْ قَطَعَهُ قَاطِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ، فَفِيهِ دِيَتُهُ، كَمَا قُلْنَا فِي الْأُذُنِ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ هَاهُنَا كَقَوْلِهِ فِي الْأُذُنِ، عَلَى مَا مَضَى شَرْحُهُ وَتِبْيَانُهُ. وَإِنْ ضَرَبَهُ فَعَوَجَهُ، أَوْ غَيَّرَ لَوْنَهُ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ. فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَفِي قَطْعِهِ بَعْدَ ذَلِكَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ قَطَعَهُ إلَّا جِلْدَةً بَقِيَ مُعَلَّقًا بِهَا فَلَمْ يَلْتَحِمْ، وَاحْتِيجَ إلَى قَطْعِهِ، فَفِيهِ دِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ جَمِيعَهُ، بَعْضَهُ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَبَاقِيَهُ بِالتَّسَبُّبِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَى قَطْعُ بَعْضِهِ إلَى قَطْعِ جَمِيعِهِ. وَإِنْ رَدَّهُ فَالْتَحَمَ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِنْ. وَإِنْ أَبَانَهُ فَرَدَّهُ فَالْتَحَمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ فِيهِ إلَّا حُكُومَةٌ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.
وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ دِيَةٌ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَبَانَ أَنْفَهُ، فَلَزِمَتْهُ دِيَتُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَلْتَحِمْ، وَلِأَنَّ مَا أُبِينَ قَدْ نَجُسَ، فَلَزِمَهُ أَنْ يُبِينَهُ بَعْدَ الْتِحَامِهِ. وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، مَنَعَ نَجَاسَتَهُ، وَوُجُوبَ إبَانَتِهِ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْآدَمِيِّ كَجُمْلَتِهِ، بِدَلِيلِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَجُمْلَتُهُ طَاهِرَةٌ، وَكَذَلِكَ أَجْزَاؤُهُ.
[فَصْلٌ دِيَة قَطَعَ أَنْفه فَذَهَبَ شَمَّهُ]
(٦٩٢٠) فَصْلٌ: وَإِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ، فَذَهَبَ شَمُّهُ، فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ فِي غَيْرِ الْأَنْفِ، فَلَا تَدْخُلُ دِيَةُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، كَالسَّمْعِ مَعَ الْأُذُنِ وَالْبَصَرِ مَعَ أَجْفَانِ الْعَيْنَيْنِ، وَالنُّطْقِ مَعَ الشَّفَتَيْنِ. وَإِنْ قَطَعَ أَنْفَ الْأَخْشَمِ، وَجَبَتْ دِيَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ فِي غَيْرِ الْأَنْفِ فَأَشْبَهَ مَا ذَكَرْنَا.
[مَسْأَلَةٌ دِيَة الشَّفَتَيْنِ]
(٦٩٢١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ) لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ فِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةَ، وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ» . وَلِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ لَيْسَ فِي الْبَدَنِ مِثْلُهُمَا، فِيهِمَا جَمَالٌ ظَاهِرٌ، وَمَنْفَعَةٌ كَامِلَةٌ، فَإِنَّهُمَا طَبَقٌ عَلَى الْفَم يَقِيَانِهِ مَا يُؤْذِيهِ، وَيَسْتُرَانِ الْأَسْنَانَ، وَتَرُدَّانِ الرِّيقَ، وَيَنْفُخُ بِهِمَا، وَيَتِمُّ بِهِمَا الْكَلَامُ، فَإِنَّ فِيهِمَا بَعْضَ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ، فَتَجِبُ فِيهِمَا الدِّيَةُ، كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الدِّيَةِ.
وَرُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ فِي الْعُلْيَا ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَفِي السُّفْلَى الثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُرْوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيُّ. وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بِهَا أَعْظَمُ، لِأَنَّهَا الَّتِي تَدُورُ، وَتَتَحَرَّكُ، وَتَحْفَظُ الرِّيقَ وَالطَّعَامَ، وَالْعُلْيَا سَاكِنَةٌ لَا حَرَكَةَ فِيهَا.
وَلَنَا، قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلِأَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ وَجَبَتْ فِيهِمَا الدِّيَةُ، وَجَبَ فِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا، كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَلِأَنَّ كُلَّ ذِي عَدَدٍ وَجَبَتْ فِيهِ الدِّيَةُ سُوِّيَ بَيْنَ جَمِيعِهِ فِيهَا، كَالْأَصَابِعِ وَالْأَسْنَانِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِزِيَادَةِ النَّفْعِ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَصْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute