للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ» . وَفِي لَفْظٍ: " فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ ". وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ الْإِنْسَانِ بِأَخْذِ مَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَخْذِهِ، وَلَا أَخْذِ مَا جَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالًا لَهُ مُضَافًا إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَأَعْظَمُ الشُّبُهَاتِ أَخْذُ الرَّجُلِ مِنْ مَالٍ جَعَلَهُ الشَّرْعُ لَهُ، وَأَمَرَهُ بِأَخْذِهِ وَأَكْلِهِ

وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، فِي قَوْلِهِمْ، جَمِيعًا، وَوَافَقَهُمْ أَبُو ثَوْرٍ فِيهِ. وَحُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَلَنَا مَا رَوَى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: شَهِدْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَقَدْ جَاءَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ بِغُلَامٍ لَهُ، فَقَالَ: إنَّ غُلَامِي هَذَا سَرَقَ، فَاقْطَعْ يَدَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا سَرَقَ؟ قَالَ: سَرَقَ مِرْآةَ امْرَأَتِي، ثَمَنُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا. فَقَالَ: أَرْسِلْهُ، لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، خَادِمُكُمْ أَخَذَ مَتَاعَكُمْ. وَلَكِنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِهِ قُطِعَ. وَفِي لَفْظٍ قَالَ: مَالُكُمْ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا، لَا قَطْعَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ، فَقَالَ: عَبْدٌ لِي سَرَقَ قَبَاءً لِعَبْدٍ لِي آخَرَ. فَقَالَ: لَا قَطْعَ، مَالُكَ سَرَقَ مَالَكَ. وَهَذِهِ قَضَايَا تَشْتَهِرُ، وَلَمْ يُخَالِفْهَا أَحَدٌ، فَتَكُونُ إجْمَاعًا، وَهَذَا يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ فِي عَصْرِهِمْ أَحَدٌ، فَلَا يَجُوزُ خِلَافُهُ بِقَوْلِ مَنْ بَعْدَهُمْ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَرْكُ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ بِقَوْلِ وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ (٧٣٠١) فَصْلٌ: وَالْمُدَبَّرُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتَبُ، كَالْقِنِّ فِي هَذَا. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

وَلَا يُقْطَعُ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ بِسَرِقَةِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَكُلُّ مَنْ لَا يُقْطَعُ الْإِنْسَانُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ، لَا يُقْطَعُ عَبْدُهُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ، كَآبَائِهِ، وَأَوْلَادِهِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيِّ، كُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ مَنْ عَدَا سَيِّدِهِ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ مَالِكٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَلَنَا حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّ مَالَهُمْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ مَالِهِ فِي قَطْعِهِ، فَكَذَلِكَ فِي قَطْعِ عَبْدِهِ.

[فَصْلٌ هَلْ يُقْطَعُ الِابْنُ وَإِنْ سَفَلَ بِسَرِقَةِ مَالِ وَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا]

(٧٣٠٢) فَصْلٌ: وَلَا يُقْطَعُ الِابْنُ وَإِنْ سَفَلَ، بِسَرِقَةِ مَالٍ وَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيمَنْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>