وَالثَّانِيَةُ: لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ لِذَلِكَ عِوَضًا، كَالْغَاصِبِ. وَفَارَقَ الْمُضَارَبَةَ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي مَالِهِ بِإِذْنِهِ. وَسَوَاءٌ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ يَكُونُ الرِّبْحُ لَهُ، لِأَنَّهُ رَبِحَ فِيمَا اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّتِهِ مِمَّا لَمْ يَقَعْ فِي الشِّرَاءِ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ رَبِّ الْمَالِ.
قَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ. يَعْنِي قَوْلَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ، فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ، كَالْغَاصِبِ، وَإِنْ جَهِلَ الْحَالَ، فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَاسْتَعْمَلَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، فَوَجَبَ أَجْرُهُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ، فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ. وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ نَقَدَ الْمَالَ، وَكَانَ قَدْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ النِّصْفَ، فَدَفَعَهُ الْمُضَارِبُ إلَى آخَرَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ لِرَبِّ الْمَالِ النِّصْفُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا؛ فَهُوَ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِنِصْفِ الرِّبْحِ فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَالْعَامِلَانِ عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ.
وَهَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيَّ وَلَيْسَ هَذَا مُوَافِقًا لِأُصُولِ الْمَذْهَبِ، وَلَا لِنَصِّ أَحْمَدَ فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ: لَا يَطِيبُ الرِّبْحُ لِلْمُضَارِبِ. وَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ الْأَوَّلَ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ وَلَا مَالٌ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ فِي الْمُضَارَبَةِ إلَّا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْعَامِلُ الثَّانِي عَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا شَرْطِهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ مَا شَرَطَهُ لَهُ غَيْرُهُ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ الْغَاصِبُ مُضَارَبَةً، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا شَرَطَهُ لَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ، فَمَا شَرَطَهُ لَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْلَى.
[فَصْل أَذِنَ رَبُّ الْمَالِ فِي دَفْعِ الْمَالِ مُضَارَبَةً]
(٣٦٧٥) فَصْل: وَإِنْ أَذِنَ رَبُّ الْمَالِ فِي دَفْعِ الْمَالِ مُضَارَبَةً، جَازَ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَيَكُونُ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ وَكِيلًا لِرَبِّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ. فَإِذَا دَفَعَهُ إلَى آخَرَ، وَلَمْ يَشْرُطْ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ، كَانَ صَحِيحًا. وَإِنْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ مَالٌ وَلَا عَمَلٌ، وَالرِّبْحُ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِوَاحِدِ مِنْهُمَا.
وَإِنْ قَالَ: اعْمَلْ بِرَأْيِك، أَوْ بِمَا أَرَاك اللَّهُ. جَازَ لَهُ دَفْعُهُ مُضَارَبَةً. نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى أَبْصَرَ مِنْهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِك. يَعْنِي فِي كَيْفِيَّةِ الْمُضَارَبَةِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَأَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، وَهَذَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْمُضَارَبَةِ، فَلَا يَتَنَاوَلُهُ إذْنُهُ.
[فَصْل الْمُضَارِب لَا يَخْلِط مَالَ الْمُضَارَبَة بِمَالِهِ]
(٣٦٧٦) فَصْل: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلِطَ مَال الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ، فَإِنْ فَعَلَ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فَهُوَ كَالْوَدِيعَةِ. فَإِنْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِك جَازَ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْي. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ إنْ فَعَلَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute