وَلَنَا، مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، «إنِّي نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوْفِ بِنَذْرِك» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا؛ بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا، خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» . وَإِذَا كَانَ فَضِيلَةً وَقُرْبَةً، لَزِمَ بِالنَّذْرِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ طُولَ الْقِرَاءَةِ. وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِنَذْرِهَا، وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عِنْدَهُمْ.
[فَصْلٌ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام]
(٨١٨٨) فَصْلٌ: وَإِذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لَمْ تُجْزِئْهُ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ وَخَيْرُهَا، وَأَكْثَرُهَا ثَوَابًا لِلْمُصَلِّي فِيهَا. وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ، أَنَّ «رَجُلًا يَوْمَ الْفَتْحِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي نَذَرْت إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْك أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: صَلِّ هَاهُنَا. ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: صَلِّ هَاهُنَا. ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ، قَالَ: صَلِّ هَاهُنَا. ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: شَأْنُك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ صَلَّيْت هَا هُنَا لَأَجْزَأَ عَنْك كُلَّ صَلَاةٍ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ» . وَإِنْ نَذَرَ إتْيَانَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَالصَّلَاةَ فِيهِ، أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ فِيهِ، وَفِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ. وَإِنْ نَذَرَ ذَلِكَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، لَمْ يُجْزِئْهُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى؛ لِأَنَّهُ مَفْضُولٌ. وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ.
[فَصْلٌ أَفْسَدَ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ مَاشِيًا]
(٨١٨٩) فَصْلٌ: وَإِنْ أَفْسَدَ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ مَاشِيًا، وَجَبَ الْقَضَاءُ مَاشِيًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ عَلَى صِفَةِ الْأَدَاءِ. وَكَذَلِكَ إنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، لَكِنْ إنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، سَقَطَ تَوَابِعُ الْوُقُوفِ، مِنْ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، وَالرَّمْيِ، وَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ، وَيَمْشِي بِالْحَجِّ الْفَاسِدِ مَاشِيًا، حَتَّى يَتَحَلَّلَ مِنْهُ.
[مَسْأَلَةٌ نَذَرَ عِتْقَ رَقَبَة]
(٨١٩٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا نَذَرَ عِتْقَ رَقَبَةٍ، فَهِيَ الَّتِي تُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى رَقَبَةً بِعَيْنِهَا) يَعْنِي: لَا تُجْزِئُهُ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ سَلِيمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ، وَهِيَ الَّتِي تُجْزِئ فِي الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ، وَالْوَاجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَذَلِكَ.
وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: يُجْزِئُهُ أَيُّ رَقَبَةٍ كَانَتْ صَحِيحَةً أَوْ مَعِيبَةً، مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute