ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى سُجُودٍ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَصْلِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى جُبْرَانٍ.
وَوَجْهُ مَشْرُوعِيَّتِهِ أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ نَقَصَتْ الْفَضِيلَةَ، وَأَخَلَّتْ بِالْكَمَالِ، فَأَشْبَهَتْ الْقِرَاءَةَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا، وَقِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ. وَإِذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ بَعْدَ قِيَامِهِ إلَى الثَّالِثَةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ، وَلَهُ أَنْ يَجْلِسَ، فَإِنَّ الْمُوجِبَ لِلْإِتْمَامِ نِيَّتُهُ، أَوْ الِائْتِمَامُ بِمُقِيمٍ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
وَإِنْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّ قِيَامَهُ لِسَهْوٍ، وَسَبَّحُوا بِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ مُتَابَعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ سَهْوٌ فَلَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فِيهِ، وَلَهُمْ مُفَارَقَتُهُ إنْ لَمْ يَرْجِعْ، كَمَا لَوْ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ فِي الْفَجْرِ، وَإِنْ تَابَعُوهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَا تُبْطِلُ صَلَاةَ الْإِمَامِ، فَلَا تُبْطِلُ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ بِمُتَابَعَتِهِ فِيهَا، كَزِيَادَاتِ الْأَقْوَالِ، وَلِأَنَّهُمْ لَوْ فَارَقُوا الْإِمَامَ، وَأَتَمُّوا، صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ، فَمَعَ مُوَافَقَتِهِ أَوْلَى. وَقَالَ الْقَاضِي: تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ زَادُوا رَكْعَتَيْنِ عَمْدًا.
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا هَلْ قَامَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا، لَزِمَهُمْ مُتَابَعَتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مُفَارَقَتُهُ، لِأَنَّ حُكْمَ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ ثَابِتٌ، فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ.
[مَسْأَلَةٌ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ أَكْثَرَ مِنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً]
(١٢٨٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ أَكْثَرَ مِنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً، أَتَمَّ) الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي تُلْزِمُ الْمُسَافِرَ الْإِتْمَامَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهَا، هِيَ مَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالْمَرُّوذِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَعَنْهُ أَنَّهُ إذَا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ، وَإِنْ نَوَى دُونَهَا قَصَرَ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ حَدُّ الْقِلَّةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ مَنْسَكِهِ ثَلَاثًا» . وَلَمَّا أَخْلَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَهْلَ الذِّمَّةِ، ضَرَبَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْهُمْ تَاجِرًا ثَلَاثًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ فِي حُكْمِ السَّفَرِ، وَمَا زَادَ فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ. وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ أَقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَعَ الْيَوْمِ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ أَتَمَّ، وَإِنْ نَوَى دُونَ ذَلِكَ قَصَرَ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: إذَا قَدِمْتَ وَفِي نَفْسِكَ أَنْ تُقِيمَ بِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً فَأَكْمِلْ الصَّلَاةَ. وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ. وَرَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ، قَالَ: إذَا أَقَمْتَ أَرْبَعًا فَصَلِّ أَرْبَعًا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: يُتِمُّ الصَّلَاةَ الَّذِي يُقِيمُ عَشْرًا، وَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ الَّذِي يَقُولُ: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، أَخْرُجُ غَدًا، شَهْرًا.
وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَابْنِهِ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا قَدِمْتَ بَلْدَةً، فَلَمْ تَدْرِ مَتَى تَخْرُجُ، فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ، وَإِنْ قُلْتَ: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، أَخْرُجُ غَدًا. فَأَقَمْتَ عَشْرًا، فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ. وَعَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَنَحْنُ إذَا أَقَمْنَا تِسْعَ عَشْرَةَ نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَإِذَا زِدْنَا عَلَى ذَلِكَ أَتْمَمْنَا.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَقَالَ الْحَسَنُ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، إلَى أَنْ تَقْدَمَ مِصْرًا، فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ وَصُمْ. وَقَالَتْ