للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَيَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ، وَهَلْ يَثْبُتُ الْإِقْرَارُ بِالزِّنَا بِشَاهِدَيْنِ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا، يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ. وَاخْتَارَهُ. وَالثَّانِي، لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمُقَرُّ بِهِ، فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِقْرَارُ بِهِ، كَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، فَقَالَ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ، أُقِيمُهَا عَلَى الزِّنَا. أُمْهِلَ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَرِيبٌ، فَإِنْ أَتَى بِالْبَيِّنَةِ، وَإِلَّا حُدَّ، إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ إذَا كَانَ زَوْجًا. فَإِنْ قَالَ: قَذَفْتُهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ. وَقَالَتْ: قَذَفَنِي وَأَنَا كَبِيرَةٌ. وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا قَالَ، فَهُمَا قَذْفَانِ.

وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْكُفْرِ وَالرِّقِّ أَوْ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَا مُؤَرَّخَيْنِ تَأْرِيخًا وَاحِدًا، فَيَسْقُطَانِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ، يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ.

[فَصْلٌ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَذَفَ فُلَانَةَ وَقَذَفَنَا]

(٦٢٥٦) فَصْلٌ: فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَذَفَ فُلَانَةَ وَقَذَفَنَا. لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا؛ لَاعْتِرَافِهِمَا بِعَدَاوَتِهِ لَهُمَا، وَشَهَادَةُ الْعَدُوِّ لَا تُقْبَلُ عَلَى عَدُوِّهِ. فَإِنْ أَبْرَآهُ وَزَالَتْ الْعَدَاوَةُ، ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَذْفِ، لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهَا رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ، فَلَمْ تُقْبَلْ بَعْدُ، كَالْفَاسِقِ إذَا شَهِدَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِفِسْقِهِ ثُمَّ تَابَ وَأَعَادَهَا. وَلَوْ أَنَّهُمَا ادَّعَيَا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَذَفَهُمَا، ثُمَّ أَبْرَآهُ وَزَالَتْ الْعَدَاوَةُ، ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَذْفِ زَوْجَتِهِ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُرَدَّا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَذَفَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ ادَّعَيَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَذَفَهُمَا، فَإِنْ أَضَافَا دَعْوَاهُمَا إلَى مَا قَبْلَ شَهَادَتِهِمَا، بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لَاعْتِرَافِهِمَا أَنَّهُ كَانَ عَدُوًّا لَهُمَا حِينَ شَهِدَا عَلَيْهِ.

وَإِنْ لَمْ يُضِيفَاهَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا، لَمْ يُحْكَمْ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ عَدُوَّيْنِ، وَإِنْ كَانَا بَعْدَ الْحُكْمِ، لَمْ يَبْطُلْ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ تَمَّ قَبْلَ وُجُودِ الْمَانِعِ، كَظُهُورِ الْفِسْقِ. وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَأُمَّنَا، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهَا رُدَّتْ فِي الْبَعْضِ لِلتُّهْمَةِ، فَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ لِلْكُلِّ. وَإِنْ شَهِدَا عَلَى أَبِيهِمَا أَنَّهُ قَذَفَ ضَرَّةَ أُمِّهِمَا، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا.

وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ. وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أُمِّهِمَا نَفْعًا، وَهُوَ أَنَّهُ يُلَاعِنُهَا، فَتَبِينُ، وَيَتَوَفَّرُ عَلَى أُمِّهِمَا. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ لِعَانَهُ لَهَا يَنْبَنِي عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِزِنَاهَا، لَا عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَرِفُ بِهِ. وَإِنْ شَهِدَا بِطَلَاقِ الضَّرَّةِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أُمِّهِمَا نَفْعًا، وَهُوَ تَوْفِيرُهُ عَلَى أُمِّهِمَا. وَالثَّانِي، تُقْبَلُ، لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا.

[فَصْل شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ قَذَفَهَا وَشَهِدَ آخِرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ بِالْعَجَمِيَّةِ]

(٦٢٥٧) فَصْلٌ: وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ قَذَفَهَا، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ بِالْعَجَمِيَّةِ، تَمَّتْ الشَّهَادَةُ، لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>