[فَصْلٌ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ تَصَرُّفًا يَضُرُّ بِجَارِهِ]
(٣٥٥١) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ تَصَرُّفًا يَضُرُّ بِجَارِهِ، نَحْو أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ حَمَّامًا بَيْنَ الدُّورِ، أَوْ يَفْتَحَ خَبَّازًا بَيْنَ الْعَطَّارِينَ، أَوْ يَجْعَلَهُ دُكَّانَ قِصَارَةٍ يَهُزُّ الْحِيطَانَ وَيُخَرِّبُهَا، أَوْ يَحْفِرَ بِئْرًا إلَى جَانِبِ بِئْرِ جَارِهِ يَجْتَذِبُ مَاءَهَا. وَبِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَة أُخْرَى: لَا يُمْنَعُ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ، كَمَا لَوْ طَبَخَ فِي دَارِهِ أَوْ خَبَزَ فِيهَا، وَسَلَّمُوا أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الدَّقِّ الَّذِي يَهْدِمُ الْحِيطَانَ وَيَنْثِرُهَا.
وَلَنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . وَلِأَنَّ هَذَا إضْرَارٌ بِجِيرَانِهِ، فَمُنِعَ مِنْهُ، كَالدَّقِّ الَّذِي يَهُزُّ الْحِيطَانَ وَيَنْثِرُهَا، وَكَسَقْيِ الْأَرْضِ الَّذِي يَتَعَدَّى إلَى هَدْمِ حِيطَانِ جَارِهِ، أَوْ إشْعَالِ نَارٍ تَتَعَدَّى إلَى إحْرَاقِهَا. قَالُوا: هَاهُنَا تَعَدَّتْ النَّارُ الَّتِي أَضْرَمَهَا، وَالْمَاءُ الَّذِي أَرْسَلَهُ، فَكَانَ مُرْسِلًا لِذَلِكَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَرْسَلَهُ إلَيْهَا قَصْدًا. قُلْنَا: وَالدُّخَانُ هُوَ أَجْزَاءُ الْحَرِيقِ الَّذِي أَحْرَقَهُ، فَكَانَ مُرْسِلًا لَهُ فِي مِلْكِ جَارِهِ، فَهُوَ كَأَجْزَاءِ النَّارِ وَالْمَاءِ. وَأَمَّا دُخَانُ الْخُبْزِ وَالطَّبِيخِ، فَإِنَّ ضَرَرَهُ يَسِيرٌ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَتَدْخُلُهُ الْمُسَامَحَةُ.
[فَصْلٌ كَانَ سَطْح أَحَدِهِمَا أَعْلَى مِنْ سَطْحِ الْآخَرَ]
(٣٥٥٢) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ سَطْحُ أَحَدِهِمَا أَعْلَى مِنْ سَطْحِ الْآخَرَ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى الصُّعُودُ عَلَى سَطْحِهِ عَلَى وَجْهٍ يُشْرِفُ عَلَى سَطْحِ جَارِهِ، إلَّا أَنْ يَبْنِيَ سُتْرَةً تَسْتُرُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ عَمَلُ سُتْرَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا حَاجِزٌ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا، فَلَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ، كَالْأَسْفَلِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ إضْرَارٌ بِجَارِهِ، فَمُنِعَ مِنْهُ، كَدَقِّ يَهُزُّ الْحِيطَانَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكْشِفُ جَارَهُ، وَيَطَّلِعُ عَلَى حُرُمِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ صِيرِ بَابِهِ أَوْ خَصَاصِهِ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ إلَيْك، فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْت عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك جُنَاحٌ» . وَيُفَارِقُ الْأَسْفَلَ؛ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ لَا يَضُرُّ بِالْأَعْلَى، وَلَا يَكْشِفُ دَارِهِ.
[فَصْلٌ كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَرْصَةُ حَائِطٍ فَاتَّفَقَا عَلَى قَسْمِهَا طُولًا]
(٣٥٥٣) فَصْلٌ: إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَرْصَةُ حَائِطٍ، فَاتَّفَقَا عَلَى قَسْمَهَا طُولًا، جَازَ ذَلِكَ، سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى قَسْمِهَا طُولًا أَوْ عَرْضًا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمَا، وَلَا تَخْرُجُ عَنْهُمَا. وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا طُولًا وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ نِصْفُ الطُّولِ فِي جَمِيعِ الْعَرْضِ، وَلِلْآخَرِ مِثْلُهُ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْقِسْمَةِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ. فَإِذَا اقْتَسَمَا اقْتَرَعَا، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَخْرُجُ بِهِ الْقُرْعَةُ، فَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَبْنِيٍّ، كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبْنِيَ فِي نَصِيبِهِ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُدْخِلَ بَعْضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute