بِتَحْرِيمِهِ الْقُرْآنُ، وَتَظَاهَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ، بِخَبَرِ مَجْهُولٍ، لَمْ يَرِدْ فِي صَحِيحٍ، وَلَا مُسْنَدٍ، وَلَا كِتَابٍ مَوْثُوقٍ بِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُرْسَلٌ مُحْتَمِلٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: (لَا رِبَا. النَّهْيُ عَنْ الرِّبَا، كَقَوْلِهِ: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْإِبَاحَةِ مُنْتَقِضٌ بِالْحَرْبِيِّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ مَالَهُ مُبَاحٌ، إلَّا فِيمَا حَظَرَهُ الْأَمَانُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَيْئَةِ التَّفَاضُلِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَذَا هَاهُنَا.
[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى ذَهَبَا بِوَرِقٍ عَيْنًا بعين فوجد أَحَدهمَا فِيمَا اشْتَرَاهُ عَيْبًا]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَى ذَهَبًا بِوَرِقٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا فِيمَا اشْتَرَاهُ، عَيْبًا، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَقْبَلَ، إذَا كَانَ بِصَرْفِ يَوْمِهِ، وَكَانَ الْعَيْبُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) مَعْنَى قَوْلِهِ: " عَيْنًا بِعَيْنٍ " هُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَا الدِّينَارَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ. وَيُشِيرُ إلَيْهِمَا، وَهُمَا حَاضِرَانِ، وَبِغَيْرِ عَيْنِهِ، أَنْ يُوقِعَ الْعَقْدَ عَلَى مَوْصُوفٍ غَيْرِ مُشَارٍ إلَيْهِ، فَيَقُولَ: بِعْتُك دِينَارًا مِصْرِيًّا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ نَاصِرِيَّةٍ.
وَإِنْ وَقَعَ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مُعَيَّنًا دُونَ الْآخَرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، أَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعُقُودِ، فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي أَعْيَانِهَا، فَعَلَى هَذَا إذَا تَبَايَعَا ذَهَبًا بِفِضَّةٍ مَعَ التَّعْيِينِ فِيهِمَا، ثُمَّ تَقَابَضَا، فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَهُ عَيْبًا، لَمْ يَخْلُ مِنْ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ غِشًّا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَبِيعِ، مِثْلَ أَنْ يَجِدَ الدَّرَاهِمَ رَصَاصًا، أَوْ نُحَاسًا، أَوْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ الدِّينَارَ مَسْحًا، فَالصَّرْفُ بَاطِلٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِيهَا ثَلَاثَ رِوَايَاتِ؛ إحْدَاهُنَّ، الْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَالثَّانِيَةُ، الْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى عَيْنِهِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ، أَوْ الرَّدِّ، وَأَخْذِ الْبَدَلِ. وَالثَّالِثَةُ، يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ، وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ، وَلَا بَدَلُهُ.
وَلَنَا أَنَّهُ بَاعَهُ غَيْرَ مَا سَمَّى لَهُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذِهِ الْبَغْلَةَ. فَإِذَا هُوَ حِمَارٌ، أَوْ هَذَا الثَّوْبَ الْقَزَّ فَوَجَدَهُ كَتَّانًا. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَبِيعُ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ. فَإِنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَرْشٍ، كَسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ. ثُمَّ إنَّ أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ فِيمَنْ دَلَّسَ الْعَيْبَ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعَ وُجُودِ ذَاتِ الْمُسَمَّى فِي الْبَيْعِ. فَهَاهُنَا مَعَ اخْتِلَافِ الذَّاتِ أَوْلَى. الْقِسْمُ الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ، مِثْلُ كَوْنِ الْفِضَّةِ سَوْدَاءَ، أَوْ خَشِنَةً تَتَفَطَّرُ عِنْدَ الضَّرْبِ، أَوْ سَكَّتَهَا مُخَالِفَةً لِسِكَّةِ السُّلْطَانِ، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَبَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَالرَّدِّ؛ وَلَيْسَ لَهُ الْبَدَلُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاقِعٌ عَلَى عَيْنِهِ، فَإِذَا أَخَذَ غَيْرَهُ، أَخَذَ مَا لَمْ يَشْتَرِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ النَّقْدَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ. فَلَهُ أَخْذُ الْبَدَلِ، وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَبَضَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَعْقُودَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute