[فَصْلٌ حُكْم بَيْعُ الْحُرِّ وَمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكِ]
(٣١٦٣) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحُرِّ، وَلَا مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكِ، كَالْمُبَاحَاتِ قَبْلَ حِيَازَتِهَا وَمِلْكِهَا. وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ رَجُلٌ أُعْطِيَ بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا، فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
[مَسْأَلَةٌ بَيْع الْفَهْد وَالصَّقْر الْمُعَلِّم وَالْهِرّ وَكَّلَ مَا فِيهِ الْمَنْفَعَة]
(٣١٦٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَبَيْعُ الْفَهْدِ، وَالصَّقْرِ الْمُعَلَّمِ، جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْهِرِّ، وَكُلِّ مَا فِيهِ الْمَنْفَعَة) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ كُلَّ مَمْلُوكٍ أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، يَجُوزُ بَيْعُهُ، إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ، مِنْ الْكَلْبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْوَقْفِ. وَفِي الْمُدَبَّرِ، وَالْمُكَاتَبِ، وَالزَّيْتِ النَّجِسِ اخْتِلَافٌ، نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ سَبَبٌ لِإِطْلَاقِ التَّصَرُّفِ، وَالْمَنْفَعَةُ الْمُبَاحَةُ يُبَاحُ لَهُ اسْتِيفَاؤُهَا، فَجَازَ لَهُ أَخْذُ عِوَضِهَا، وَأُبِيحَ لِغَيْرِهِ بَذْلُ مَالِهِ فِيهَا، تَوَصُّلًا إلَيْهَا، وَدَفْعًا لِحَاجَتِهِ بِهَا، كَسَائِرِ مَا أُبِيحَ بَيْعُهُ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مَا كَانَ طَاهِرًا، كَالثِّيَابِ، وَالْعَقَارِ، وَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَالْخَيْلِ، وَالصَّيُودِ، أَوْ مُخْتَلَفًا فِي نَجَاسَتِهِ، كَالْبَغْلِ، وَالْحِمَارِ، وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ، وَجَوَارِحِ الطَّيْرِ، الَّتِي تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ، الَّتِي كَالْفَهْدِ، وَالصَّقْرِ، وَالْبَازِي، وَالشَّاهَيْنِ، وَالْعُقَابِ، وَالطَّيْرِ الْمَقْصُودِ صَوْتُهُ، كَالْهَزَّازِ، وَالْبُلْبُلِ، وَالْبَبْغَاءِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَكُلُّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ.
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْفَهْدِ، وَالصَّقْرِ، وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا، كَالْكَلْبِ. وَلَنَا، أَنَّهُ حَيَوَانٌ أُبِيحَ اقْتِنَاؤُهُ، وَفِيهِ نَفْعٌ مُبَاحٌ، مِنْ غَيْرِ وَعِيدٍ فِي حَبْسِهِ، فَأُبِيحَ بَيْعُهُ كَالْبَغْلِ، وَمَا ذَكَرَاهُ يَبْطُلُ بِالْبَغْلِ، وَالْحِمَارِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ بَيْعِهِمَا، وَحُكْمُهَا حُكْمُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فِي الطَّهَارَةِ، وَالنَّجَاسَةِ وَإِبَاحَةِ الِاقْتِنَاءِ، وَالِانْتِفَاعِ.
وَأَمَّا الْكَلْبُ فَإِنَّ الشَّرْعَ تَوَعَّدَ عَلَى اقْتِنَائِهِ وَحَرَّمَهُ، إلَّا فِي حَالِ الْحَاجَةِ، فَصَارَتْ إبَاحَتُهُ ثَابِتَةً، بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ؛ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] . وَلَمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى خَرَجَ مِنْهُ مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ؛ لِمَعَانٍ غَيْرِ مَوْجُودَةٍ فِي هَذَا، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ. وَأَمَّا الْهِرُّ، فَقَالَ الْخِرَقِيِّ: يَجُوزُ بَيْعُهَا.
وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَرِهَ ثَمَنَهَا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ، فَقَالَ: زَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ» . وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي إسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ.
وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَا فِيمَا يُصَادُ بِهِ مِنْ السِّبَاعِ، وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكِ مِنْهَا، أَوْ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ مِنْهَا؛ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ شُرِعَ طَرِيقًا لِلتَّوَصُّلِ إلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ؛ لِيَصِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute