عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ قَلَعَهُ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّمَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْقَمْلِ الَّذِي فِي شَعْرِهِ، فَأَمَّا مَا أَلْقَاهُ مِنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ، فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ. (٢٣٢١)
فَصْلٌ: فَإِنْ خَالَفَ وَتَفَلَّى، أَوْ قَتَلَ قَمْلًا، فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ؛ فَإِنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ حِينَ حَلَقَ رَأْسَهُ، قَدْ أَذْهَبَ قَمْلًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ لِذَلِكَ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ بِحَلْقِ الشَّعْرِ، وَلِأَنَّ الْقَمْلَ لَا قِيمَةَ لَهُ، فَأَشْبَهَ الْبَعُوضَ وَالْبَرَاغِيثَ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ، وَلَا هُوَ مَأْكُولٌ، وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: هِيَ أَهْوَنُ مَقْتُولٍ. وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ مُحْرِمٍ أَلْقَى قَمْلَةً، ثُمَّ طَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا. فَقَالَ: تِلْكَ ضَالَّةٌ لَا تُبْتَغَى. وَهَذَا قَوْلُ طَاوُسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ فِي مَنْ قَتَلَ قَمْلَةً، قَالَ: يُطْعِمُ شَيْئًا. فَعَلَى هَذَا أَيُّ شَيْءٍ تَصَدَّقَ بِهِ أَجْزَاهُ، سَوَاءٌ قَتَلَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: تَمْرَةٌ فَمَا فَوْقَهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى مَا قُلْنَاهُ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ التَّقْدِيرَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى التَّقْرِيبِ لِأَقَلِّ مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ.
[فَصْلٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَغْسِلَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ وَبَدَنَهُ بِرِفْقٍ]
فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْسِلَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ وَبَدَنَهُ بِرِفْقٍ، فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ، وَابْنُهُ، وَرَخَّصَ فِيهِ عَلِيٌّ، وَجَابِرٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْطِسَ فِي الْمَاءِ، وَيُغَيِّبَ فِيهِ رَأْسَهُ. وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ سِتْرٌ لَهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِسِتْرٍ، وَلِهَذَا لَا يَقُومُ مَقَامَ السُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رُبَّمَا قَالَ لِي عُمَرُ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ بِالْجُحْفَةِ: تَعَالَ أُبَاقِيك أَيُّنَا أَطْوَلُ نَفَسًا فِي الْمَاءِ. وَقَالَ: رُبَّمَا قَامَسْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِالْجُحْفَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِسِتْرٍ مُعْتَادٍ، أَشْبَهَ صَبَّ الْمَاءِ عَلَيْهِ، أَوْ وَضْعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ، قَالَ: «أَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، فَأَتَيْته وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْت: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ أَرْسَلَنِي إلَيْك عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَسْأَلُك: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute