فَلَا يَلْزَمُ وُجُودُ صِفَةِ الصِّنْفَيْنِ فِي بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ، كَمَا لَا يَلْزَمُ وُجُودُ صِفَةِ الْأَصْنَافِ فِيهِمَا، وَلِأَنَّ هَذَا يَأْخُذُ لِحَاجَتِنَا إلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الْعَامِلَ وَالْمُؤَلَّفَ، فَأَمَّا أَهْلُ سَائِرِ السَّهْمَانِ، فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فَقْرُ مَنْ يَأْخُذُ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا، دُونَ مَنْ يَأْخُذُ لِحَاجَتِنَا إلَيْهِ. فَإِذَا تُقَرَّرَ هَذَا، فَمَنْ قَالَ، إنَّهُ يُرِيدُ الْغَزْوَ. قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى نِيَّتِهِ، وَيُدْفَعُ إلَيْهِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ لِمُؤْنَتِهِ وَشِرَاءِ السِّلَاحِ وَالْفَرَسِ إنْ كَانَ فَارِسًا، وَحُمُولَتِهِ وَدِرْعِهِ وَلِبَاسِهِ وَسَائِرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِغَزْوِهِ، وَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ، وَيُدْفَعَ إلَيْهِ دَفْعًا مُرَاعًى، فَإِنْ لَمْ يَغْزُ رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ كَذَلِكَ، وَإِنْ غَزَا وَعَادَ، فَقَدْ مَلَكَ مَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّنَا دَفَعْنَا إلَيْهِ قَدْرَ الْكِفَايَةِ
وَإِنَّمَا ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ. وَإِنْ مَضَى إلَى الْغَزْوِ، فَرَجَعَ مِنْ الطَّرِيقِ، أَوْ لَمْ يُتِمَّ الْغَزْوَ الَّذِي دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ، رَدَّ مَا فَضَلَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَخَذَ لِأَجْلِهِ لَمْ يَفْعَلْهُ كُلَّهُ.
(٥١٢٠) فَصْلٌ: وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ هَذَا السَّهْمَ الْغُزَاةُ الَّذِينَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الدِّيوَانِ، وَإِنَّمَا يَتَطَوَّعُونَ بِالْغَزْوِ إذَا نَشِطُوا. قَالَ أَحْمَدُ: وَيُعْطَى ثَمَنَ الْفَرَسِ، وَلَا يَتَوَلَّى مُخْرِجُ الزَّكَاةِ شِرَاءَ الْفَرَسِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إيتَاءُ الزَّكَاةِ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا بِنَفْسِهِ، فَمَا أَعْطَى إلَّا فَرَسًا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي شِرَاءِ السِّلَاحِ وَالْمُؤْنَةِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ دَفَعَ ثَمَنَ الْفَرَسِ وَثَمَنَ السَّيْفِ، فَهُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ هُوَ، رَجَوْت أَنْ يُجَزِّئَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: يَشْتَرِي الرَّجُلُ مِنْ زَكَاتِهِ الْفَرَسَ، وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ، وَالْقَنَاةَ، وَيُجَهِّزُ الرَّجُلَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَفَ الزَّكَاةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْغَازِي فَاشْتَرَى بِهَا. قَالَ: وَلَا يَشْتَرِي مِنْ الزَّكَاةِ فَرَسًا يَصِيرُ حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا دَارًا، وَلَا ضَيْعَةً يُصَيِّرُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِلرِّبَاطِ، وَلَا يَقِفُهَا عَلَى الْمُجَاهِدِينَ.
لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتِ الزَّكَاةَ لِأَحَدٍ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِتْيَانِهَا. قَالَ: وَلَا يَغْزُو الرَّجُلُ عَلَى الْفَرَسِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ مَصْرِفًا لِزَكَاتِهِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ بِهَا دَيْنَهُ، وَمَتَى أَخَذَ الْفَرَسَ الَّتِي اُشْتُرِيَتْ بِمَالِهِ، صَارَ مَصْرِفًا لِزَكَاتِهِ.
[مَسْأَلَةٌ يَصْرِفُ مِنْ الزَّكَاة فِي الْحَجِّ]
(٥١٢١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَيُعْطَى أَيْضًا فِي الْحَجِّ، وَهُوَ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وَيُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، الْحَجُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ نَاقَةً لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَرَادَتْ امْرَأَتُهُ الْحَجَّ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ارْكَبِيهَا، فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . وَعَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا يَصْرِفُ مِنْهَا فِي الْحَجِّ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ سَبِيلَ اللَّهِ عِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute