ذَاهِبَةٌ، فَأَشْبَهَ زَائِلَ الْعَقْلِ. وَهَذَا الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الْخَرَسَ نَقْصٌ كَثِيرٌ، يَمْنَعُ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ، مِثْلُ الْقَضَاءِ، وَالشَّهَادَةِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَفْهَمُ إشَارَتَهُ، فَيَتَضَرَّرُ فِي تَرْكِ اسْتِعْمَالِهِ.
وَإِنْ اجْتَمَعَ الْخَرَسُ وَالصَّمَمُ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِاجْتِمَاعِ النَّقْصَيْنِ فِيهِ، وَذَهَابِ مَنْفَعَتَيْ الْجِنْسِ. وَوَجْهُ الْإِجْزَاءِ، أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْكَلَامِ فِي الْإِفْهَامِ، وَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ أَكْثَرُ الْأَحْكَامِ فَيُجْزِئُ فِي الْعِتْقِ، كَاَلَّذِي ذَهَبَ شَمُّهُ. فَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ شَمُّهُ فَيُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ وَلَا بِغَيْرِهِ فَأَمَّا الْمَرِيضُ، فَإِنْ كَانَ مَرْجُوَّ الْبُرْءِ كَالْحُمَّى وَمَا أَشْبَهَهَا، أَجْزَأَ فِي الْكَفَّارَةِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ، كَالسِّلِّ، وَنَحْوِهِ، لَمْ يُجْزِئْ؛ لِأَنَّ زَوَالَهُ يَنْدُرُ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْعَمَلِ مَعَ بَقَائِهِ. وَأَمَّا نِضْوُ الْخَلْقِ، فَإِنْ كَانَ يَتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنْ الْعَمَلِ أَجْزَأَ، وَإِلَّا فَلَا.
وَيُجْزِئُ الْأَحْمَقُ، وَهُوَ الَّذِي يُخْطِئُ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَيَصْنَعُ الْأَشْيَاءَ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، وَيَرَى الْخَطَأَ صَوَابًا، وَمَنْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ، وَالْخَصِيُّ، وَالْمَجْبُوبُ، وَالرَّتْقَاءُ، وَالْكَبِيرُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ، لَا يَمْنَعُ تَمْلِيكَ الْعَبْدِ مَنَافِعَهُ، وَتَكْمِيلَ أَحْكَامِهِ، فَيَحْصُلُ الْإِجْزَاءُ بِهِ كَالسَّالِمِ مِنْ الْعُيُوبِ.
[فَصْلٌ يُجْزِئُ عِتْقُ الْجَانِي وَالْمَرْهُونِ وَعِتْقُ الْمُفْلِسِ عَبْدَهُ]
(٦٢٠١) فَصْلٌ: وَيُجْزِئُ عِتْقُ الْجَانِي وَالْمَرْهُونِ، وَعِتْقُ الْمُفْلِسِ عَبْدَهُ، إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ عِتْقِهِمْ، وَعِتْقُ الْمُدَبَّرِ، وَالْخَصِيِّ، وَوَلَدِ الزِّنَا؛ لِكَمَالِ الْعِتْقِ فِيهِمْ.
[فَصْلٌ لَا يُجْزِئ عِتْقُ الْمَغْصُوبِ فِي الظِّهَار]
(٦٢٠٢) فَصْلٌ: وَلَا يُجْزِئُ عِتْقُ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْ مَنَافِعِهِ، وَلَا غَائِبٍ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لَا يُعْلَمُ خَبَرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ حَيَاتُهُ، فَلَا يُعْلَمُ صِحَّةُ عِتْقِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ خَبَرُهُ، أَجْزَأَ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ صَحِيحٌ. وَلَا يُجْزِئُ عِتْقُ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا، وَلِذَلِكَ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ، وَلَا يُتَيَقَّنُ أَيْضًا وُجُودُهُ، وَحَيَاتُهُ، وَلَا عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْكَفَّارَةِ، وَالْمِلْكُ فِيهَا غَيْرُ كَامِلٍ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا. وَقَالَ طَاوُسٌ، وَالْبَتِّيُّ: يُجْزِئُ عِتْقُهَا؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ صَحِيحٌ. وَلَا يُجْزِئُ عِتْقُ مُكَاتَبٍ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا. وَسَنَذْكُرُ هَذَا فِي الْكَفَّارَاتِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[مَسْأَلَة أَقُلْ الْكَفَّارَة فِي الظِّهَار]
(٦٢٠٣) مَسْأَلَةٌ قَالَ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: ٩٢] أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُظَاهِرَ إذَا لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً، أَنَّ فَرْضَهُ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ