للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرِكَةُ هَذَا الْمَيِّتِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا بِالْمِيرَاثِ، فَلَا حُكْمَ لِيَدِهِ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يُعْرَفَ أَصْلُ دِينِهِ، أَوْ يَصْطَلِحَا. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ

وَلَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ظُهُورِ كُفْرِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ التَّرْجِيحُ لِقَوْلِهِ وَصَرْفُ الْمِيرَاثِ إلَيْهِ، وَأَمَّا ظُهُورُ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ فَلِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا ضَرَرَ فِيهَا عَلَى أَحَدٍ، وَكَذَلِكَ تَغْسِيلُهُ وَدَفْنُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى. فَإِنَّمَا يَعْلُو إذَا ثَبَتَ وَالنِّزَاعُ فِي ثُبُوتِهِ. وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَثْبُتْ، فَأَمَّا إنْ ثَبَتَ أَصْلُ دِينِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيه عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلِمِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَلَنَا؛ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِيه، كَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ. فَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ الْمُسْلِمُ بِأُخُوَّةِ الْكَافِرِ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَبُوهُ دُونَ الْآخَرِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الدَّعْوَى؛ لِتَسَاوِي أَيْدِيهِمَا وَدَعَاوِيهمَا، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ فِي الدَّعْوَى سَوَاءٌ، يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ نِصْفَيْنِ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي ايدِيهِمَا دَارٌ فَادَّعَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَدَّمَ قَوْلُ الْمُسْلِمِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة أَقَامَ الْمُسْلِمُ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَأَقَامَ الْكَافِرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا]

(٨٥٤٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِنْ أَقَامَ الْمُسْلِمُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا، وَأَقَامَ الْكَافِرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا، أُسْقِطَتْ الْبَيِّنَتَانِ، وَكَانَا كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا، وَإِنْ قَالَ شَاهِدَانِ: نَعْرِفُهُ كَانَ كَافِرًا. وَقَالَ شَاهِدَانِ: نَعْرِفُهُ كَانَ مُسْلِمًا، فَالْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَطْرَأُ عَلَى الْكُفْرِ إذَا لَمْ يُؤَرِّخْ الشُّهُودُ مَعْرِفَتَهُمْ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا خَلَّفَ الْمَيِّتُ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا، فَادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً، وَأَقَامَ الْكَافِرُ بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا، وَلَمْ يُعْرَفْ أَصْلُ دِينِهِ فَهُمَا مُتَعَارِضَتَانِ وَإِنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ نَظَرْنَا فِي لَفْظِ الشَّهَادَةِ؛ فَإِنْ شَهِدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ التَّلَفُّظَ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ، فَهُمَا مُتَعَارِضَتَانِ، وَإِنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَشَهِدَتْ الْأُخْرَى أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِ الْكُفْرِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي انْتِقَالَهُ عَنْ دِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُبْقِيَةَ لَهُ عَلَى أَصْلِ دِينِهِ، ثَبَتَتْ شَهَادَتُهَا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَعْرِفُهُ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا عَرَفَا أَصْلَ دِينِهِ وَلَمْ يَعْرِفَا انْتِقَالَهُ عَنْهُ، جَازَ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ الَّذِي عَرَفَاهُ، وَالْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى مَعَهَا عِلْمٌ لَمْ تَعْلَمْهُ الْأُولَى، فَقُدِّمَتْ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِأَنَّ هَذَا الْعَبْدَ كَانَ مِلْكًا لِفُلَانٍ إلَى أَنْ مَاتَ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ.

فَأَمَّا إنْ قَالَ شَاهِدَانِ: نَعْرِفُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ قَدْ كَانَ مُسْلِمًا. وَقَالَ شَاهِدَانِ: نَعْرِفُهُ كَانَ كَافِرًا. نَظَرْنَا فِي تَارِيخِهِمَا؛ فَإِنْ كَانَتَا مُؤَرِّخَتَيْنِ بِتَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عُمِلَ بِالْآخِرَةِ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ انْتَقَلَ عَمَّا شَهِدَتْ بِهِ الْأُولَى، إلَى مَا شَهِدَتْ بِهِ الْآخِرَةُ وَإِنْ كَانَتَا مُطْلَقَتَيْنِ، أَوْ إحْدَاهُمَا مُطْلَقَةٌ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقَرُّ عَلَى الْكُفْرِ فِي دَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>