فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يُتْبِعْنَ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ مِنْ أَثَرِ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ؛ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ، كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ.» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ سَعِيدٌ؛ وَلِأَنَّ الْحَجَرَ يُزِيلُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ فَلَا تُصِيبُهَا يَدُهُ، ثُمَّ يَأْتِي بِالْمَاءِ فَيُطَهِّرُ الْمَحَلَّ، فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي التَّنْظِيفِ وَأَحْسَنَ.
[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِنْجَاء بِمَا دُون الثَّلَاثَة أَحْجَار]
(٢٠٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَعْدُوَا مَخْرَجَهُمَا أَجْزَأَهُ أَحْجَارٌ إذَا أَنْقَى بِهِنَّ، فَإِنْ أَنْقَى بِدُونِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يُجْزِهِ، حَتَّى يَأْتِيَ بِالْعَدَدِ، وَإِنْ لَمْ يُنْقِ بِالثَّلَاثَةِ زَادَ حَتَّى يُنْقِيَ قَوْلُهُ: يَعْدُوَا مَخْرَجَهُمَا يَعْنِي الْخَارِجَيْنِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزَا مَخْرَجَهُمَا. يُقَالُ: عَدَاك الشَّرُّ أَيْ: تَجَاوَزَك.
وَالْمُرَاد، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمَخْرَجَ بِمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ، فَإِنَّ الْيَسِيرَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ مُنْقِيَةٍ. وَمَعْنَى الْإِنْقَاءِ إزَالَةُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَبَلَّتِهَا، بِحَيْثُ يَخْرُجُ الْحَجَرُ نَقِيًّا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَثَرٌ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا. وَيُشْتَرَطُ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا؛ الْإِنْقَاءُ، وَإِكْمَالُ الثَّلَاثَةِ، أَيُّهُمَا وُجِدَ دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يَكْفِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد: الْوَاجِبُ الْإِنْقَاءُ دُونَ الْعَدَدِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» . وَلَنَا: قَوْلُ سَلْمَانَ: «لَقَدْ نَهَانَا - يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» . وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَحَدِيثُهُمْ قَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ فِيمَا مَضَى.
(٢٠٨) فَصْلٌ: وَإِذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ لَا يَقْطَعَ إلَّا عَلَى وِتْرٍ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَيَسْتَجْمِرُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا أَوْ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى شَفْعٍ مُنْقِيَةٍ، فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ جَازَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» .
(٢٠٩) فَصْلٌ: وَكَيْفَمَا حَصَلَ الْإِنْقَاءِ فِي الِاسْتِجْمَارِ أَجْزَأَهُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُمِرَّ الْحَجَرَ الْأَوَّلَ مِنْ مُقَدَّمِ صَفْحَتِهِ الْيُمْنَى إلَى مُؤَخَّرِهَا، ثُمَّ يُدِيرَهُ عَلَى الْيُسْرَى، ثُمَّ يَرْجِعَ بِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ؛ ثُمَّ يُمِرَّ الثَّانِيَ مِنْ مُقَدَّمِ صَفْحَتِهِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ؛ ثُمَّ يُمِرَّ الثَّالِثَ عَلَى الْمَسْرُبَةِ وَالصَّفْحَتَيْنِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَوَ لَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ حَجَرَيْنِ لِلصَّفْحَتَيْنِ وَحَجَرًا لِلْمَسْرُبَةِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَعُمَّ الْمَحَلَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَحْجَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعُمَّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ تَلْفِيقًا، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَكُونُ تَكْرَارًا. ذَكَرَ هَذَا الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَالَا: مَعْنَى الْحَدِيثِ الْبِدَايَةُ بِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزِئَهُ لِكُلِّ جِهَةٍ مَسْحَةٌ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute