أَنَّ حُكْمَ مَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخِ وَبَهْرَاءَ، أَوْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ وَحِمْيَرَ، أَوْ تَمَجَّسَ مِنْ تَمِيمٍ، حُكْمُ بَنِي تَغْلِبَ، سَوَاءً. وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ. نَصَّ عَلَيْهِ، فِي تَنُوخِ وَبَهْرَاءَ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْعَرَبِ، فَأَشْبَهُوا بَنِي تَغْلِبَ.
وَلَنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] . وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» . وَهُمْ عَرَبٌ. وَقَبِلَ الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، وَهُمْ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَوَّلُ مَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ أَهْلُ نَجْرَانَ، وَكَانُوا نَصَارَى. وَأَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ أُكَيْدِرَ دُومَةَ، وَهُوَ عَرَبِيٌّ. وَحُكْمُ الْجِزْيَةِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فِي كُلِّ كِتَابِيٍّ، عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَرَبِيٍّ، إلَّا مَا خُصَّ بِهِ بَنُو تَغْلِبَ، لِمُصَالَحَةِ عُمَرَ إيَّاهُمْ، فَفِي مَا عَدَاهُمْ يَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى عُمُومِ الْكِتَابِ وَشَوَاهِدِ السُّنَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ غَيْرِ بَنِي تَغْلِبَ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ صُلْحٌ كَصُلْحِ بَنِي تَغْلِبَ، فِيمَا بَلَغَنَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِ بَنِي تَغْلِبَ عَلَيْهِمْ؛ لِوُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّ قِيَاسَ سَائِرِ الْعَرَبِ عَلَيْهِمْ يُخَالِفُ النُّصُوصَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى مَا تَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ النَّصِّ.
الثَّانِي، أَنَّ الْعِلَّةَ فِي بَنِي تَغْلِبَ الصُّلْحُ، وَلَمْ يُوجَدْ الصُّلْحُ مَعَ غَيْرِهِمْ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ مَعَ تَخَلُّفِ الْعِلَّةِ. الثَّالِثُ، أَنَّ بَنِي تَغْلِبَ كَانُوا ذَوِي قُوَّةٍ وَشَوْكَةٍ، لَحِقُوا بِالرُّومِ، وَخِيفَ مِنْهُمْ الضَّرَرُ إنْ لَمْ يُصَالَحُوا، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا فِي غَيْرِهِمْ.
فَإِنْ وُجِدَ هَذَا فِي غَيْرِهِمْ، فَامْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَخِيفَ الضَّرَرُ بِتَرْكِ مُصَالَحَتِهِمْ، فَرَأَى الْإِمَامُ مُصَالَحَتَهُمْ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ، جَازَ ذَلِكَ، إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ أَوْ زِيَادَةً قَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ: أَهْلُ الْكِتَابِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِي مَوَاشِيهمْ صَدَقَةٌ، وَلَا فِي أَمْوَالِهِمْ، إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا صُولِحُوا عَلَى أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ، كَمَا صَنَعَ عُمَرُ فِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، حِينَ أَضْعَفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ فِي صُلْحِهِ إيَّاهُمْ، وَذَكَرَ هَذَا أَبُو إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ، فِي كِتَابِهِ. وَالْحُجَّةُ فِي هَذَا قِصَّةُ بَنِي تَغْلِبَ، وَقِيَاسُهُمْ عَلَيْهِمْ. إذَا كَانُوا فِي مَعْنَاهُمْ.
أَمَّا قِيَاسُ مَنْ لَمْ يُصَالِحُ عَلَيْهِمْ، فِي جَعْلِ جِزْيَتِهِمْ صَدَقَةً، فَلَا يَصِحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ اتَّجَرَ نَصْرَانِيٌّ تَغْلِبِيٌّ فَمَرَّ بِالْعَاشِرِ الْجِزْيَة]
(٧٦٧٣) فَصْلٌ: وَإِذَا اتَّجَرَ نَصْرَانِيٌّ تَغْلِبِيٌّ، فَمَرَّ بِالْعَاشِرِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، أَنَّ عُمَرَ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ، وَمِنْ نَصَارَى أَهْلِ الْكِتَابِ نِصْفَ الْعُشْرِ. وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute