قَالَ: «اسْتَسْلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَبْتَعَ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ وَبِالْأَبْعِرَةِ إلَى مَجِيءِ الصَّدَقَةِ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ الرِّبَا. وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ صَدَاقًا، فَثَبَتَ فِي السَّلَمِ كَالثِّيَابِ، فَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ، فَلَمْ يَذْكُرْهُ أَصْحَابُ الِاخْتِلَافِ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ مِنْ ضِرَابِ فَحْلِ بَنِي فُلَانٍ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: إنَّمَا كَرِهَ ابْنُ مَسْعُودٍ السَّلَفَ فِي الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا نِتَاجَ فَحْلٍ مَعْلُومٍ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ؛ أَنَّهُ بَاعَ جَمَلًا لَهُ يُدْعَى عُصَيْفِيرَ، بِعِشْرِينَ بَعِيرًا، إلَى أَجَلٍ. وَلَوْ ثَبَتَ قَوْلُ عُمَرَ فِي تَحْرِيمِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ، فَقَدْ عَارَضَهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِمَّنْ وَافَقَنَا.
[فَصْلٌ السَّلَم فِي غَيْر الْحَيَوَان مِمَّا لَا يُكَال وَلَا يُوزَن وَلَا يُزْرَع]
(٣١٩٩) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي السَّلَمِ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ، مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَلَا يُزْرَعُ، فَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا أَرَى السَّلَمَ إلَّا فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُوقَفُ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَعْنَاهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِحَدٍّ مَعْلُومٍ لَا يَخْتَلِفُ، كَالزَّرْعِ، فَأَمَّا الرُّمَّانُ وَالْبَيْضُ، فَلَا أَرَى السَّلَمَ فِيهِ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ وَعَنْ إِسْحَاقَ، أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي الرُّمَّانِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، وَمِنْهُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ.
فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي كُلِّ مَعْدُودٍ مُخْتَلِفٍ، كَاَلَّذِي سَمَّيْنَاهُ، وَكَالْبُقُولِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ، وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْبَقْلِ بِالْحَزْمِ؛ لِأَنَّ الْحَزْمَ يُمْكِنُ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، فَلَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِ، كَالْجَوَاهِرِ. وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ مَنْصُورٍ، جَوَازَ السَّلَمِ فِي الْفَوَاكِهِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَالرُّمَّانِ، وَالْمَوْزِ، وَالْخَضْرَاوَاتِ، وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَتَقَارَبُ وَيَنْضَبِطُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَمَا لَا يَتَقَارَبُ يَنْضَبِطُ بِالْوَزْنِ، كَالْبُقُولِ وَنَحْوهَا، فَصَحَّ السَّلَمُ فِيهِ، كَالْمَزْرُوعِ.
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْمَنْعَ مِنْ السَّلَمِ فِي الْبَيْضِ وَالْجَوْزِ. وَلَعَلَّ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ، فَيَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ.
[فَصْلٌ السَّلَم فِي الرُّءُوسِ وَالْأَطْرَافِ]
(٣٢٠٠) فَصْلٌ: فَأَمَّا السَّلَمُ فِي الرُّءُوسِ وَالْأَطْرَافِ، فَيَخْرُجُ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَا. وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهَا قَوْلَانِ أَيْضًا، كَالرِّوَايَتَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ فِيهِ عَظْمٌ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ، فَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ، كَبَقِيَّةِ اللَّحْمِ. وَالْآخَرُ، لَا يَجُوزُ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهُ الْعِظَامُ وَالْمَشَافِرُ، وَاللَّحْمُ فِيهِ قَلِيلٌ، وَلَيْسَ بِمَوْزُونٍ، بِخِلَافِ اللَّحْمِ. فَإِنْ كَانَ مَطْبُوخًا، أَوْ مَشْوِيًّا، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute