وُجُوبُهَا كُلَّ يَوْمٍ، فَالرِّضَى بِالْمُعْسِرِ بِهَا رِضَى بِعَيْبِ مَا لَمْ يَجِبْ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَإِنَّمَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا تَزَوَّجَتْهُ مُعْسِرًا بِالصَّدَاقِ وَسَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ أَرَادَتْ الْفَسْخَ.
[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعهَا فَأَفْلَسَ]
(٣٤١٠) فَصْلٌ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا، فَأَفْلَسَ قَبْلَ مُضِيِّ شَيْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ فَلِلْمُؤَجَّرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَهُوَ غَرِيمٌ بِالْأُجْرَةِ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِهَا، لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ فِي قِيَاسِ قَوْلِنَا فِي الْمَبِيعِ إذَا تَلِفَ بَعْضُهُ، فَإِنَّ الْمُدَّةَ هَاهُنَا كَالْمَبِيعِ، وَمُضِيُّ بَعْضِهَا كَتَلَفِ بَعْضِهِ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ مُضِيُّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْ مُضِيِّ جُزْءٍ مِنْهَا بِحَالِ
وَقَالَ الْقَاضِي، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا فَزَرَعَهَا، ثُمَّ أَفْلَسَ، فَفَسَخَ صَاحِبُ الْأَرْضِ، فَعَلَيْهِ تَبْقِيَةُ زَرْعِ الْمُفْلِسِ إلَى حِينِ الْحَصَادِ بِأَجْرِ مِثْله؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ، فَإِذَا فَسَخَ الْعَقْدَ، فَسَخَهُ فِيمَا مَلَكَ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا عَلَيْهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ عِوَضُهَا، كَمَا لَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ بَعْدَ أَنْ أَتْلَفَ الْمَبِيعَ، فَلَهُ قِيمَتُهُ، وَيَضْرِبُ بِذَلِكَ مَعَ الْغُرَمَاءِ، كَذَا هَاهُنَا، وَيَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِيه مَذْهَبُنَا، وَلَا يَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ الْخَبَرُ، وَلَا يَصِحُّ فِي النَّظَرِ؛ أَمَّا الْخَبَرُ، فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . وَهَذَا مَا أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، وَلَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُمْ وَافَقُوا عَلَى وُجُوبِ تَبَقَّيْتِهَا، وَعَدَمِ الرُّجُوعِ فِي عَيْنِهَا، وَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ:
(مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ)
أَيْ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ، لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِعَيْنِهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ. وَأَمَّا النَّظَرُ فَلِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا كَانَ أَحَقَّ بِعَيْنِ مَالِهِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ، وَإِمْكَانِ رَدِّ مَالِهِ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ، فَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِمُجَرَّدِ الذِّمَّةِ، وَهَذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِالْعَيْنِ، وَلَا أَمْكَنَ رَدُّهَا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا صَارَ فَائِدَةُ الرُّجُوعِ الضَّرْبَ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْمُسَمَّى، وَلَيْسَ هَذَا هُوَ الْمُقْتَضَى فِي مَحِلِّ النَّصِّ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ، فَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ بِهِ تَحَكُّمٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ
وَلَوْ اكْتَرَى رَجُلًا يَحْمِلُ لَهُ مَتَاعًا إلَى بَلَدٍ، ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُكْتَرِي قَبْلَ حَمْلِ شَيْءٍ، فَلِلْمُكْتَرِي الْفَسْخُ. وَإِنْ حَمَلَ الْبَعْضَ، أَوْ بَعْضَ الْمَسَافَةِ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ، وَقِيَاسُ قَوْلِ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ. فَإِذَا فَسَخَ سَقَطَ عَنْهُ حَمْلُ مَا بَقِيَ، وَضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِقِسْطِ مَا حَمَلَ مِنْ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى
وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْقَاضِي: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ، وَيَضْرِبُ بِقِسْطِ مَا حَمَلَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي حَكَيْنَا قَوْلَهُ فِيهَا.
[فَصْلٌ أَقْرَضَ رَجُلًا مَالًا ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُقْتَرِضُ]
(٣٤١١) فَصْلٌ: فَإِنْ أَقْرَضَ رَجُلًا مَالًا، ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُقْتَرِضُ، وَعَيْنُ الْمَالِ قَائِمٌ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .
وَلِأَنَّهُ غَرِيمٌ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ، فَكَانَ لَهُ أَخْذُهَا، كَالْبَائِعِ. وَإِنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً لَهُ عَيْنًا، ثُمَّ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا