لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا. وَلَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ. ضَرَبَ بِيَدِهِ، وَأَكَلَ مَعَهُمْ.» وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ، حِينَ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَمْرٍ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ مِنْ الصَّدَقَةِ، رَأَيْتُك أَنْتَ وَأَصْحَابَك أَحَقَّ النَّاسِ بِهِ. «فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا. وَلَمْ يَأْكُلْ» ثُمَّ أَتَاهُ ثَانِيَةً بِتَمْرٍ، فَقَالَ: رَأَيْتُك لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذَا شَيْءٌ أَهْدَيْتُهُ لَك. «فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِسْمِ اللَّهِ. وَأَكَلَ.» وَلَمْ يُنْقَلْ قَبُولٌ وَلَا أَمْرٌ بِإِيجَابٍ. وَإِنَّمَا سَأَلَ لِيَعْلَمَ، هَلْ هُوَ صَدَقَةٌ، أَوْ هَدِيَّةٌ، وَفِي أَكْثَرِ الْأَخْبَارِ لَمْ يُنْقَلْ إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ، وَلَيْسَ إلَّا الْمُعَاطَاةُ، وَالتَّفَرُّقُ عَنْ تَرَاضٍ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ شَرْطًا فِي هَذِهِ الْعُقُودِ لَشَقَّ ذَلِكَ، وَلَكَانَتْ أَكْثَرُ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ فَاسِدَةً، وَأَكْثَرُ أَمْوَالِهِمْ مُحَرَّمَةً. وَلِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ إنَّمَا يُرَادَانِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّرَاضِي، فَإِذَا وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، مِنْ الْمُسَاوَمَةِ وَالتَّعَاطِي، قَامَ مَقَامَهُمَا، وَأَجْزَأَ عَنْهُمَا؛ لِعَدَمِ التَّعَبُّدِ فِيهِ.
[بَابُ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ]
[مَسْأَلَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا]
[فَصْلٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ]
(خِيَارُ الْمُتَبَايِعَيْنِ) أَيْ بَابُ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَحُذِفَ اخْتِصَارًا. (٢٧٥٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ:
(٢٧٥٣) فَصْلٌ: أَحَدُهَا أَنَّ الْبَيْعَ يَقَعُ جَائِزًا، وَلِكُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ، مَا دَامَا مُجْتَمِعَيْنِ، لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي بَرْزَةَ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَشُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَا خِيَارَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ. وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَزِمَ بِمُجَرَّدِهِ، كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» . رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ. وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ. وَاتُّفِقَ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَكِيمٍ، وَرَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَالِكٌ، وَأَيُّوبُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ. وَعَابَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَالِكٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute