للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا قَوْلُ حَمَّادٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ، احْتَمَلَ أَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ.

وَلَنَا؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْأَلْ الْأَنْصَارَ، هَلْ كَانَ بِقَتِيلِهِمْ أَثَرٌ أَوْ لَا؟ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ يَحْصُلُ بِمَا لَا أَثَرَ لَهُ، كَغَمِّ الْوَجْهِ، وَالْخَنْقِ، وَعَصْرِ الْخُصْيَتَيْنِ، وَضَرْبَةِ الْفُؤَادِ، فَأَشْبَهَ مَنْ بِهِ أَثَرٌ، وَمَنْ بِهِ أَثَرٌ قَدْ يَمُوتُ حَتْفَ أَنْفِهِ؛ لِسَقْطَتِهِ، أَوْ صَرْعَتِهِ، أَوْ يَقْتُلُ نَفْسَهُ. فَعَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْأَثَرَ، إنْ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ أُذُنِهِ، فَهُوَ لَوْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْخَنْقِ لَهُ، أَوْ أَمْرٍ أُصِيبَ بِهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ، فَهَلْ يَكُونُ لَوْثًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

[الْفَصْلُ الثَّانِي بِمَا تَثْبُتُ الْقَسَامَة]

(٧٠١٨) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَثْبُتُ مَا لَمْ يَتَّفِقْ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى الدَّعْوَى، فَإِنْ كَذَّبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: قَتَلَهُ هَذَا. وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ يَقْتُلْهُ هَذَا. أَوْ قَالَ: بَلْ قَتَلَهُ هَذَا الْآخَرُ، لَمْ تَثْبُتْ الْقَسَامَةُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُكَذِّبُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا. وَذُكِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ.

وَلَنَا، أَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِتَبْرِئَةِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَخُوهُ، فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ ادَّعَى دَيْنًا لَهُمَا، وَإِنَّمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَأَمَّا عَلَى نَفْسِهِ، فَهُوَ كَالْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِي حَقِّهَا؛ فَأَمَّا إنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ، وَلَمْ يُوَافِقْهُ فِي الدَّعْوَى، مِثْلُ أَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا؛ قَتَلَهُ هَذَا. وَقَالَ الْآخَرُ: لَا نَعْلَمُ قَاتِلَهُ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَثْبُتُ؛ لِاشْتِرَاطِهِ ادِّعَاءَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى وَاحِدٍ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.

وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ غَائِبًا، فَادَّعَى الْحَاضِرُ دُونَ الْغَائِبِ، أَوْ ادَّعَيَا جَمِيعًا عَلَى وَاحِدٍ، وَنَكَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْأَيْمَانِ، لَمْ يَثْبُتْ الْقَتْلُ، فِي قِيَاسِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَمُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي، ثُبُوتُ الْقَسَامَةِ. وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يُكَذِّبْ الْآخَرَ، فَلَمْ تَبْطُلْ الْقَسَامَةُ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ امْرَأَةً أَوْ صَغِيرًا، فَعَلَى قَوْلِهِمْ، يَحْلِفُ الْمُدَّعِي خَمْسِينَ يَمِينًا، وَيَسْتَحِقُّ نِصْفَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يَثْبُتُ شَيْءُ مِنْ الْحَقِّ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ الْبَيِّنَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا دَيْنًا لِأَبِيهِمَا، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّيْن إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً كَامِلَةً.

وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا، أَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ يَحْلِفُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَقْسُومَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى أَخِيهِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ فِي الدَّعْوَى، وَلَا يَحْلِفُ الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ حِصَّتِهِ، فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ أَقْسَمَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى أَيْمَانِ أَخِيهِ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ أَنَّ الْأَوَّلَ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَهَلْ يَحْلِفُ الثَّانِي خَمْسِينَ أَوْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا يَقُولُ، يَحْلِفُ خَمْسِينَ؛ لِأَنَّ أَخَاهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا بِخَمْسِينَ، فَكَذَلِكَ هُوَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>