إلَيْهِ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ.
فَإِنْ بَذَلَ لَهُ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ الثَّمَنُ الَّذِي رَضِيَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا فَرَضِيَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. (٢٩٨١) فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَى صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ، فَبَانَتْ أَحَدَ عَشَرِ، رَدَّ الزَّائِدَ، وَلَا خِيَارَ لَهُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي الزِّيَادَةِ، وَإِنْ بَانَتْ تِسْعَةً أَخَذَهَا بِقِسْطِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَتَى سَمَّى الْكَيْلَ فِي الصُّبْرَةِ لَا يَكُونُ قَبْضُهَا إلَّا بِالْكَيْلِ، فَإِذَا كَالَهَا فَوَجَدَهَا قَدْرَ حَقِّهِ، أَخَذَهَا، وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً رَدَّ الزِّيَادَةَ وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً، أَخَذَهَا بِقِسْطِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ إذَا وَجَدَهَا نَاقِصَةً؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، لَهُ الْخِيَارُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ الْمَبِيعَ نَاقِصًا، فَكَانَ لَهُ الْفَسْخُ، كَغَيْرِ الصُّبْرَةِ، وَكَنُقْصَانِ الصِّفَةِ. الثَّانِي، لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْقَدْرِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْبَاقِي مِنْ الْكَيْلِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
[فَصْلٌ بَاعَ الْأَدْهَان فِي ظَرْفهَا جُمْلَة وَقَدْ شَاهِدهَا]
(٢٩٨٢) فَصْلٌ: إذَا بَاعَ الْأَدْهَانَ فِي ظَرْفِهَا جُمْلَةً، وَقَدْ شَاهَدَهَا، جَازَ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَهَا لَا تَخْتَلِفُ، فَهُوَ كَالصُّبْرَةِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْعَسَلِ، وَالدِّبْسِ، وَالْخَلِّ، وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ. وَإِنْ بَاعَهُ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ بَاعَهُ رِطْلًا مِنْهَا، أَوْ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً يَعْلَمُ أَنَّ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْهَا أَوْ بَاعَةُ جُزْءًا مُشَاعًا، أَوْ أَجْزَاءً، أَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ مَعَ الظَّرْفِ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، جَازَ.
وَإِنْ بَاعَهُ السَّمْنَ وَالظَّرْفَ، كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ مَبْلَغَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا ذَلِكَ، جَازَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ الظَّرْفَ، كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ، وَمَا فِيهِ كَذَلِكَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى ظَرْفَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا سَمْنٌ فِي الْآخَرِ زَيْتٌ، كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ وَزْنَ الظَّرْفِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، فَيَدْخُلُ عَلَى غَرَرٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ بَيْعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَفَرِّدًا يَصِحُّ لِذَلِكَ. فَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَهُمَا، كَالْأَرْضِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَجْزَاءِ، وَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ، عَلَى أَنْ يَزِنَ الظَّرْفَ، فَيَحْتَسِبَ عَلَيْهِ بِوَزْنِهِ، وَلَا يَكُونُ مَبِيعًا، وَهُمَا يَعْلَمَانِ زِنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الدُّهْنَ عَشَرَةً وَالظَّرْفَ رِطْلًا، كَانَ مَعْنَاهُ: بِعْتُك عَشْرَةَ أَرْطَالٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. وَإِنْ كَانَا لَا يَعْلَمَانِ زِنَةَ الظَّرْفِ وَالدُّهْنِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ فِي الْحَالِ. وَسَوَاءٌ جَهِلَا زِنَتَهُمَا جَمِيعًا، أَوْ زِنَةَ أَحَدِهِمَا؛ لِذَلِكَ.
[فَصْلٌ فِي مِنْ وَجَدَ فِي ظَرْف السَّمْن رَبًّا]
(٢٩٨٣) فَصْلٌ: وَإِنْ وَجَدَ فِي ظَرْفِ السَّمْنِ رَبًّا، فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: إنْ كَانَ سَمَّانًا، وَعِنْدَهُ سَمْنٌ أَعْطَاهُ بِوَزْنِهِ سَمْنًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ سَمْنٌ، أَعْطَاهُ بِقَدْرِ الرَّبِّ مِنْ الثَّمَنِ. وَأَلْزَمَهُ شُرَيْحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute