[فَصْلٌ يُسَنُّ فِي الْهَدْيِ إشْعَارُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ]
(٢٧٣٤) فَصْلٌ: وَيُسَنُّ إشْعَارُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ صَفْحَةَ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ حَتَّى يُدْمِيَهَا، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هَذَا مُثْلَةٌ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، وَلِأَنَّهُ إيلَامٌ، فَهُوَ كَقَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ الْبَقَرَةُ ذَاتَ سَنَامٍ، فَلَا بَأْسَ بِإِشْعَارِهَا، وَإِلَّا فَلَا.
وَلَنَا، مَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ، وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى عُمُومِ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَلِأَنَّهُ إيلَامٌ لِغَرَضِ صَحِيحٍ فَجَازَ، كَالْكَيِّ، وَالْوَسْمِ، وَالْفَصْدِ، وَالْحِجَامَةِ. وَالْغَرَضُ أَنْ لَا تَخْتَلِطَ بِغَيْرِهَا، وَأَنْ يَتَوَقَّاهَا اللِّصُّ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالتَّقْلِيدِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَنْحَلَ وَيَذْهَبَ. وَقِيَاسُهُمْ مُنْتَقِضٌ بِالْكَيِّ وَالْوَسْمِ. وَتُشْعَرُ الْبَقَرَةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْبُدْنِ، فَتُشْعَرُ كَذَاتِ السَّنَامِ. وَأَمَّا الْغَنَمُ فَلَا يُسَنُّ إشْعَارُهَا؛ لِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ، وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا يَسْتُرُ مَوْضِعَ إشْعَارِهَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَالسُّنَّةُ الْإِشْعَارُ فِي صَفْحَتِهَا الْيُمْنَى. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ: بَلْ تُشْعَرُ فِي صَفْحَتِهَا الْيُسْرَى. وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَهُ. وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِبَدَنَةِ وَأَشْعَرَهَا مِنْ صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا بِيَدِهِ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ كَمَذْهَبِنَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ثُمَّ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَفِعْلِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» . وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ مِنْ قِبَلِ الْمِيقَاتِ، اُسْتُحِبَّ إشْعَارُهُ وَتَقْلِيدُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَإِنْ تَرَكَ الْإِشْعَارَ وَالتَّقْلِيدَ، فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ.
[فَصْلٌ لَا يُسَنُّ الْهَدْيُ إلَّا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ]
(٢٧٣٥) فَصْلٌ: وَلَا يُسَنُّ الْهَدْيُ إلَّا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: ٢٨] . وَأَفْضَلُهُ الْإِبِلُ، ثُمَّ الْبَقَرُ، ثُمَّ الْغَنَمُ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِامْرَأَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute