للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْلِفَا مَعَ الشَّاهِدِ، لَمْ يَكُنْ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِ الْمَيِّتِ، وَيَسْتَحِقُّ، فَإِنْ حَلَفَ الْوَارِثَانِ مَعَ الشَّاهِدِ، حُكِمَ بِالدَّيْنِ، فَدُفِعَ إلَى الْغَرِيمِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا، وَادَّعَى وَرَثَتُهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ، فَأَنْكَرَ، فَأَقَامُوا شَاهِدًا عَدْلًا، وَحَلَفُوا مَعَهُ، حُكِمَ بِالدَّيْنِ لِلْمَيِّتِ، ثُمَّ تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ، ثُمَّ تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْ الثُّلُثِ، إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ، فَإِنْ أَبَى الْوَرَثَةُ أَنْ يَحْلِفُوا، لَمْ يَكُنْ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَحْلِفَ، مَعَ شَاهِدِ الْمَيِّتِ.

وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: لِلْغَرِيمِ أَنْ يَحْلِفَ، وَيَسْتَحِقَّ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمَالُ، قُدِّمَ حَقُّهُ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَكَانَتْ لَهُ الْيَمِينُ كَالْوَارِثِ.

وَلَنَا، أَنَّ الدَّيْنَ لِلْوَرَثَةِ دُونَ الْغَرِيمِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ الدَّيْنُ مِيرَاثَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لِلْوَارِثِ، أَنَّهُ يُكْتَفَى بِيَمِينِهِ، وَلَوْ كَانَ لِغَيْرِهِ لَمَا اُكْتُفِيَ بِهَا، وَلِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، وَالدَّيْنُ لِلْمَيِّتِ، وَلِهَذَا يَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِأَنَّ الدَّيْنَ لِلْمَيِّتِ، وَاَلَّذِي يَحْلِفُ مَعَهُ إنَّمَا يَحْلِفَ عَلَى هَذَا، وَلَا يَجُوزُ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَحْلِفَ لِي فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا، بِالِاتِّفَاقِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ الَّذِي لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا جَعَلَ الْيَمِينَ لِلْمَالِكِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ الْغَرِيمَ لَوْ حَلَفَ مَعَ الشَّاهِدِ، ثُمَّ أَبْرَأَ الْمَيِّتَ مِنْ الدَّيْنِ، لَرَجَعَ الدَّيْنُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَلَوْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ لَهُ بِيَمِينِهِ، لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِمْ. وَهَكَذَا لَوْ وَصَّى الْمَيِّتُ لَإِنْسَانٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْلِفْ الْوَرَثَةُ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَحْلِفَ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.

[فَصْل حَلَفَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ مَعَ الشَّاهِد]

(٨٤٢٤) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ مَعَ الشَّاهِدِ، لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا قَدْرُ حِصَّتِهِ. وَهَكَذَا إذَا ادَّعَى الْوَرَثَةُ وَصِيَّةً لِأَبِيهِمْ أَوْ دَيْنًا، وَأَقَامُوا شَاهِدًا، لَمْ يَثْبُتْ جَمِيعُهُ إلَّا بِأَيْمَانِ جَمِيعِهِمْ. وَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ، ثَبَتَ مِنْ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ بِقَدْرِ حَقِّهِ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ بَاقِي الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ حَقٌّ بِدُونِ أَيْمَانِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقُّوا بِيَمِينِ غَيْرِهِمْ، وَيَقْضِي مِنْ دَيْنِ أَبِيهِ بِقَدْرِ مَا ثَبَتَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ أَوْ مَعْتُوهٌ، وُقِفَ حَقُّهُ، حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ وَيَعْقِلَ الْمَعْتُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْلِف عَلَى حَالِهِ، وَلَا يَحْلِفُ وَلِيُّهُ؛ لِكَوْنِ الْيَمِينِ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ.

وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أَخْرَسُ مَفْهُومُ الْإِشَارَةِ، حَلَفَ وَأُعْطِيَ حِصَّتَهُ، وَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ، وُقِفَ حَقُّهُ أَيْضًا. فَإِنْ مَاتَ، أَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ، قَامَ وَرَثَتُهُمْ مَقَامَهُمْ فِي الْيَمِينِ وَالِاسْتِحْقَاقِ. فَإِنْ طَالِبَ أَوْلِيَاؤُهُمَا فِي حَيَاتِهِمَا بِحَبْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ، وَيُفِيقَ الْمَجْنُونُ، وَيَعْقِلَ الْأَخْرَسُ الْإِشَارَةَ، أَوْ بِإِقَامَةِ كَفِيلٍ، لَمْ يُجَابُوا إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ عَذَابٌ لَا يُسْتَحَقُّ عَلَى مَنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ حَقٌّ.

[فَصْل أَفْلَسَ ثُمَّ مَاتَ]

(٨٤٢٥) فَصْلٌ: وَتَرِكَةُ الْمَيِّتِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِوَرَثَتِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي مَنْ أَفْلَسَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>