هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ، قَالَ: إنَّهُ غَرَرٌ. وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَدِيثِ. وَالْمَعْنَى لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْمَاءِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا. الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ رَقِيقًا، لَا يَمْنَعُ مُشَاهَدَتَهُ وَمَعْرِفَتَهُ. الثَّالِثُ، أَنْ يُمْكِنَ اصْطِيَادُهُ وَإِمْسَاكُهُ. فَإِنْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ، جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مَعْلُومٌ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ فَجَازَ بَيْعُهُ، كَالْمَوْضُوعِ فِي الطَّسْتِ.
وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرْنَا، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِذَلِكَ. وَإِنْ اخْتَلَّتْ الثَّلَاثَةُ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِثَلَاثِ عِلَلٍ. وَإِنْ اخْتَلَّ اثْنَانِ مِنْهَا، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِعِلَّتَيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي مَنْ لَهُ أَجَمَةٌ يَحْبِسُ السَّمَكَ فِيهَا، يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ظَاهِرًا، أَشْبَهَ مَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ فِي كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَنَقْلِهِ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا تَشْتَرُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ، فَإِنَّهُ غَرَرٌ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَهَذَا مِنْهُ. وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا بَعْدَ اصْطِيَادِهِ، أَشْبَهَ الطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ، وَالْعَبْدَ الْآبِقَ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، كَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ، وَيُفَارِقُ مَا ذَكَرُوهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُؤْنَةِ الْقَبْضِ، وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ لِيُمْكِنَ قَبْضُهُ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَهُ بِرْكَةٌ فِيهَا سَمَكٌ لَهُ يُمْكِنُ اصْطِيَادُهُ بِغَيْرِ كُلْفَةٍ، وَالْمَاءُ رَقِيقٌ لَا يَمْنَعُ مُشَاهَدَتَهُ، صَحَّ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِمَشَقَّةٍ، وَكُلْفَةٍ يَسِيرَةٍ، بِمَنْزِلَةِ كُلْفَةِ اصْطِيَادِهِ الطَّائِرِ مِنْ الْبُرْجِ، فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي بَيْعِ الطَّائِرِ فِي الْبُرْجِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ.
وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً، وَتَتَطَاوَلُ الْمُدَّةُ فِيهِ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ، وَالْجَهْلِ لِوَقْتِ إمْكَانِ التَّسْلِيمِ.
[فَصْلٌ إذَا أَعُدْ بَرَكَة أَوْ مُصَفَّاة لِيَصْطَادَ فِيهَا السَّمَك فَحُصِلَ فِيهَا سُمّك]
(٣٠٨٢) فَصْلٌ: إذَا أَعَدَّ بِرْكَةً، أَوْ مِصْفَاةً؛ لِيَصْطَادَ فِيهَا السَّمَكَ، فَحَصَلَ فِيهَا سَمَكٌ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ مُعَدَّةٌ لِلِاصْطِيَادِ، فَأَشْبَهَ الشَّبَكَةَ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْبِرْكَةَ، أَوْ الشَّبَكَةَ، أَوْ اسْتَعَارَهُمَا لِلِاصْطِيَادِ، جَازَ، وَمَا حَصَلَ فِيهِمَا مَلَكَهُ. وَإِنْ كَانَتْ الْبِرْكَةُ غَيْرَ مُعَدَّةٍ لِلِاصْطِيَادِ، لَمْ يَمْلِكْ مَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ السَّمَكِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعَدَّةٍ لَهُ، فَأَشْبَهَتْ أَرْضَهُ إذَا دَخَلَ فِيهَا صَيْدٌ، أَوْ حَصَلَ فِيهَا سَمَكٌ. وَمَتَى نَصَبَ شَبَكَةً، أَوْ شَرَكًا، أَوْ فَخًّا، أَوْ أُحْبُولَةً، مَلَكَ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ يَدِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ نَصَبَ الْمَنَاجِلَ لِلصَّيْدِ، وَسَمَّى فَقَتَلَتْ صَيْدًا حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ، وَكَانَ كَذَبْحِهِ.
وَلَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ أَوْ شِبْهِهَا شَيْءٌ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ، أَنَّهُ كَيَدِهِ. وَلَوْ أَعَدَّ لِمِيَاهِ الْأَمْطَارِ مَصَانِعَ، أَوْ بِرَكًا، أَوْ أَوَانِيَ؛ لِيَحْصُلَ فِيهَا الْمَاءُ، مَلَكَهُ بِحُصُولِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا فِي بَابِ الْإِعْدَادِ، كَالشِّبَاكِ لِلِاصْطِيَادِ. وَلَوْ أَعَدَّ سَفِينَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute