لِلِاصْطِيَادِ، كَاَلَّتِي يُجْعَلُ فِيهَا الضَّوْءُ وَيُضْرَبُ صَوَانِي الصُّفْرِ؛ لِيَثِبَ السَّمَكُ فِيهَا، كَانَ حُصُولُهُ فِيهَا كَحُصُولِهِ فِي شَبَكَتِهِ؛ لِكَوْنِهَا صَارَتْ مِنْ الْآلَاتِ الْمُعَدَّةِ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يُعِدَّهَا لِذَلِكَ، لَمْ يَمْلِكْ مَا وَقَعَ فِيهَا. وَمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ فَأَخَذَهُ مَلَكَهُ، كَالْأَرْضِ الَّتِي لَمْ تُعَدَّ لِلِاصْطِيَادِ، مِثْلُ أَرْضِ الزَّرْعِ إذَا دَخَلَهَا مَاءٌ فِيهِ سَمَكٌ، ثُمَّ نَضَبَ عَنْهُ، أَوْ دَخَلَ فِيهَا ظَبْيٌ، أَوْ عَشَّشَ فِيهَا طَائِرٌ، أَوْ سَقَطَ فِيهَا جَرَادٌ، أَوْ حَصَلَ فِيهَا مِلْحٌ، لَمْ يَمْلِكْهُ صَاحِبُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ، وَلَا مِمَّا هِيَ مُعَدَّةٌ لَهُ، لَكِنَّهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ، إذْ لَيْسَ لِغَيْرِهِ التَّخَطِّي فِي أَرْضِهِ، وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهَا، فَإِنْ تَخَطَّى وَأَخَذَهُ، أَخْطَأَ وَمَلَكَهُ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي وَرَشَانَ عَلَى نَخْلَةِ قَوْمٍ، صَادَهُ إنْسَانٌ: هُوَ لِلصَّائِدِ. وَقَالَ فِي طَيْرَةٍ لِقَوْمٍ أَفْرَخَتْ فِي دَارِ جِيرَانِهِمْ: إنَّ الْفَرْخَ يَتْبَعُ الْأُمَّ، يُرَدُّ فِرَاخُهَا عَلَى أَصْحَابِ الطَّيْرَةِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْ أَمْلَاكِ النَّاسِ، مِنْ صَيْدٍ وَكَلَأٍ وَشِبْهِهِ، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَلَمْ يَفِدْ الْمِلْكَ، كَالْبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، إذْ السَّبَبُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ كَوْنِهِ بَيْعًا، أَوْ غَيْرَهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ.» وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّبَبَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَإِنَّ السَّبَبَ الْأَخْذُ، وَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ، إنَّمَا نُهِيَ عَنْ الدُّخُولِ، وَهُوَ غَيْرُ السَّبَبِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ هَاهُنَا لِحَقِّ آدَمِيٍّ، فَلَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ، كَبَيْعِ الْمُصَرَّاةِ، وَالْمَعِيبِ، وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَالنَّجْشِ، وَبَيْعِهِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ. وَلَوْ أَعَدَّ أَرْضَهُ لِلْمِلْحِ، فَجَعَلَهَا مَلَّاحَةً؛ لِيَحْصُلَ فِيهَا الْمَاءُ، فَيَصِيرَ مِلْحًا، كَالْأَرْضِ الَّتِي عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، يَجْعَلُ إلَيْهَا طَرِيقًا لِلْمَاءِ، فَإِذَا امْتَلَأَتْ قَطَعَهُ عَنْهَا، أَوْ تَكُونُ أَرْضُهُ سَبْخَةً، يَفْتَحُ إلَيْهَا الْمَاءَ مِنْ عَيْنٍ، أَوْ يَجْمَعُ فِيهَا مَاءَ الْمَطَرِ، فَيَصِيرُ مِلْحًا، مَلَكَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لَهُ، فَأَشْبَهَتْ الْبِرْكَةَ الْمُعَدَّةَ لِلصَّيْدِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعَدَّهَا لِذَلِكَ، لَمْ يَمْلِكْ مَا حَصَلَ فِيهَا، كَمَا قَدَّمْنَا فِي مِثْلِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي إنْسَانٍ رَمَى طَيْرًا بِبُنْدُقٍ، فَوَقَعَ فِي دَارِ قَوْمٍ، فَهُوَ لَهُمْ دُونَهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مَلَكُوهُ بِحُصُولِهِ فِي دَارِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute