مُسْتَتِرًا بِخِبَاءٍ أَخْضَرَ، فَقَالَ: يَا عَبْد اللَّهِ أَتَسْتُرُونَ الْجُدُرَ؟ فَقَالَ أَبِي، وَاسْتَحْيَا: غَلَبَتْنَا النِّسَاءُ يَا أَبَا أَيُّوبَ. فَقَالَ: مَنْ خَشِيت أَنْ يَغْلِبَهُ النِّسَاءُ، فَلَمْ أَخْشَ أَنْ يَغْلِبَنَّكَ ثُمَّ قَالَ: لَا أَطْعَمُ لَكُمْ طَعَامًا، وَلَا أَدْخُلُ لَكُمْ بَيْتًا، ثُمَّ خَرَجَ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ، أَنَّهُ دُعِيَ إلَى طَعَامٍ، فَرَأَى الْبَيْتَ مُنَجَّدًا، فَقَعَدَ خَارِجًا وَبَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيك؟ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا قَدْ رَقَّعَ بُرْدَةً لَهُ بِقِطْعَةِ أَدَمٍ، فَقَالَ: «تَطَالَعَتْ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا. ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: أَنْتُمْ الْيَوْمَ خَيْرٌ أَمْ إذَا غَدَتْ عَلَيْكُمْ قَصْعَةٌ وَرَاحَتْ أُخْرَى، وَيَغْدُوا أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ وَيَرُوحُ فِي أُخْرَى، وَتَسْتُرُونَ بُيُوتَكُمْ كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ؟ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَفَلَا أَبْكِي، وَقَدْ بَقِيت حَتَّى رَأَيْتُكُمْ تَسْتُرُونَ بُيُوتَكُمْ كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ؟ .»
وَقَدْ رَوَى الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى أَنْ تُسْتَرَ الْجُدُرُ.» وَرَوَتْ عَائِشَةُ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ فِيمَا رُزِقْنَا أَنْ نَسْتُرَ الْجُدُرَ.»
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ سِتْرَ الْحِيطَانِ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِي تَحْرِيمِهِ دَلِيلٌ، وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَفُعِلَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِنَّمَا كَرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّرَفِ، كَالزِّيَادَةِ فِي الْمَلْبُوسِ، وَالْمَأْكُولِ. وَقَدْ قِيلَ: هُوَ مُحَرَّمٌ؛ لِلنَّهْيِ عَنْهُ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ فَإِنَّ النَّهْيَ لَمْ يَثْبُتْ، وَلَوْ ثَبَتَ الْحَمْلُ عَلَى الْكَرَاهَةِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ السُّتُور فِيهَا الْقُرْآن]
(٥٦٧٧) فَصْلٌ: وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ السُّتُورِ فِيهَا الْقُرْآنُ؟ فَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَيْئًا مُعَلَّقًا فِيهِ الْقُرْآنُ، يُسْتَهَانُ بِهِ، وَيُمْسَحُ بِهِ. قِيلَ لَهُ: فَيُقْلَعُ؟ فَكَرِهَ أَنْ يُقْلِعَ الْقُرْآنُ، وَقَالَ: إذَا كَانَ سِتْرٌ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَكَرِهَ أَنْ يُشْتَرَى الثَّوْبُ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، مِمَّا يُجْلَسُ عَلَيْهِ أَوْ يُدَاسُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute