مُسْتَوْفٍ لَهُ، وَإِنْ أَخَذَ دُونَهُ، فَقَدْ اسْتَوْفَى بَعْضَهُ وَتَرَكَ بَعْضَهُ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ فَقَدْ أَخَذَ عِوَضَهُ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ أَكْثَرِ مِمَّا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ لَا مُقَابِلَ لَهُ، فَيَكُونَ ظَالِمًا بِأَخْذِهِ. وَإِنْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ جَازَ، وَيَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي؛ لِاعْتِقَادِهِ أَخْذَهُ عِوَضًا، فَيَلْزَمُهُ حُكْمُ إقْرَارِهِ. فَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ شِقْصًا فِي دَارٍ أَوْ عَقَارٍ، وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهُ، وَالرُّجُوعُ فِي دَعْوَاهُ، وَيَكُونُ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ، لِأَنَّهُ دَفَعَ الْمَالَ افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ، وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، لَا عِوَضًا عَنْ حَقٍّ يَعْتَقِدُهُ فَيَلْزَمُهُ أَيْضًا حُكْمُ إقْرَارِهِ. فَإِنْ وَجَدَ بِالْمُصَالَحِ عَنْهُ عَيْبًا، لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مَا أَخَذَ عِوَضًا. وَإِنْ كَانَ شِقْصًا لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ عَلَى مِلْكِهِ، لَمْ يَزُلْ، وَمَا مَلَكَهُ بِالصُّلْحِ.
وَلَوْ دَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الْمُدَّعِي مَا ادَّعَاهُ أَوْ بَعْضَهُ، لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حُكْمُ الْبَيْعِ وَلَا تَثْبُتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ، وَأَخَذَ عَيْنَ مَالِهِ، مُسْتَرْجِعًا لَهَا مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْعًا، كَاسْتِرْجَاعِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا، مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي شَيْئًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ، وَيُنْكِرَ الْمُنْكِرُ حَقًّا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَيْهِ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي الْبَاطِنِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَانَ كَاذِبًا، فَمَا يَأْخُذُهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، أَخَذَهُ بِشَرِّهِ وَظُلْمِهِ وَدَعْوَاهُ الْبَاطِلَةُ، لَا عِوَضًا عَنْ حَقٍّ لَهُ، فَيَكُونُ حَرَامًا عَلَيْهِ، كَمَنْ خَوَّفَ رَجُلًا بِالْقَتْلِ حَتَّى أَخَذَ مَالَهُ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْلَمُ صِدْقَهُ وَثُبُوتَ حَقِّهِ، فَجَحَدَهُ لِيَنْتَقِصَ حَقَّهُ، أَوْ يُرْضِيَهُ عَنْهُ بِشَيْءِ فَهُوَ هَضْمٌ لِلْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ حَرَامًا، وَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ مَالُ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ فِي قَوْله " وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مَا عَلَيْهِ فَجَحَدَهُ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ ". يَعْنِي فِي الْحَقِيقَةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرُ لَنَا فَهُوَ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ بَاطِنَ الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَنْبَنِي الْأَمْرُ عَلَى الظَّوَاهِرِ، وَالظَّاهِرُ، مِنْ الْمُسْلِمِ السَّلَامَةُ.
[فَصْلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُل وَدِيعَة أَوْ قَرْضًا]
(٣٤٩٣) فَصْلٌ: وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ وَدِيعَةً، أَوْ قَرْضًا، أَوْ تَفْرِيطًا فِي وَدِيعَةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ، فَأَنْكَرَهُ وَاصْطَلَحَا، صَحَّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ صَالِح عَنْ الْمُنْكِرِ أَجْنَبِيٌّ]
(٣٤٩٤) فَصَلِّ: وَإِنْ صَالَحَ عَنْ الْمُنْكِرِ أَجْنَبِيٌّ، صَحَّ، سَوَاءٌ اعْتَرَفَ لِلْمُدَّعِي بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ أَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنَّمَا يَصِحُّ إذَا اعْتَرَفَ لِلْمُدَّعِي بِصِدْقِهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صُلْحِ الْمُنْكِرِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
ثُمَّ لَا يَخْلُو الصُّلْحُ، إمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، فَإِنْ كَانَ عَنْ دَيْنٍ، صَحَّ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الْمُنْكِرِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ عَنْ غَيْرِهِ جَائِزٌ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنَّ «عَلِيًّا وَأَبَا قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَضَيَا عَنْ الْمَيِّتِ، فَأَجَازَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ عَيْنٍ بِإِذْنِ الْمُنْكِرِ، فَهُوَ كَالصُّلْحِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَهُوَ افْتِدَاءٌ لِلْمُنْكِرِ مِنْ الْخُصُومَةِ، وَإِبْرَاءٌ لَهُ مِنْ الدَّعْوَى، وَذَلِكَ جَائِزٌ. وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ، إذَا صَالَحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute