وَالثَّانِي، يَعْتِقَانِ مَعًا. وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ثَبَتَتْ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ بِالْقُرْعَةِ، فَلَا تَزُولُ، كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ، وَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُعْتِقِ: ذَكَرْت مَنْ كُنْت نَسِيته. يَتَضَمَّنُ إقْرَارًا عَلَيْهِ بِحُرِّيَّةِ مَنْ ذَكَرَهُ، وَإِقْرَارًا عَلَى غَيْرِهِ، فَقُبِلَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يُقْبَلْ عَلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقْرَعْ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، فَيَعْتِقُ مَنْ عَيَّنَهُ، وَيَرِقُّ غَيْرُهُ، فَإِذَا قَالَ: أَعْتَقْت هَذَا. عَتَقَ، وَرَقَّ الْبَاقُونَ، وَإِنْ قَالَ: أَعْتَقْت هَذَا، لَا بَلْ هَذَا. عَتَقَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِعِتْقِ الْأَوَّلِ فَلَزِمَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بِعِتْقِ الثَّانِي فَلَزِمَهُ، وَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْ إقْرَارِهِ الْأَوَّلِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي إقْرَارِ الْوَارِثِ.
[مَسْأَلَة مَلَكَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ دَبَّرَهُ]
. (٨٦٢٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَإِذَا مَلَكَ نِصْفَ عَبْدٍ، فَدَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَعَتَقَ بِمَوْتِهِ، وَكَانَ ثُلُثُ مَالِهِ يَفِي بِقِيمَةِ النِّصْفِ الَّذِي لِشَرِيكِهِ، أُعْطِي، وَكَانَ كُلُّهُ حُرًّا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْأُخْرَى، لَا يَعْتِقُ إلَّا حِصَّتُهُ وَإِنْ حَمَلَ ثُلُثُ مَالِهِ قِيمَةَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ، فَأَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، أَوْ دَبَّرَهُ، أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يَفِ ثُلُثُ مَالِهِ بِقِيمَةِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ، لَمْ يَعْتِقْ إلَّا نَصِيبُهُ. بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا قَوْلًا شَاذًّا، أَوْ قَوْلَ مَنْ يَرَى السِّعَايَةَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَالِهِ إلَّا الثُّلُثُ الَّذِي اسْتَغْرَقَتْهُ قِيمَةُ الشِّقْصِ، فَيَبْقَى مُعْسِرًا، بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْتَقَ فِي صِحَّتِهِ شِقْصًا وَهُوَ مُعْسِرٌ.
فَأَمَّا إنْ كَانَ ثُلُثُ مَاله يَفِي بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا، يَسْرِي إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ، فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ جَمِيعُهُ، وَيُعْطَى الشَّرِيكُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ لِلْمُعْتِقِ وَالْمِلْكُ فِيهِ تَامٌّ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالتَّبَرُّعِ وَالْإِعْتَاقِ وَغَيْرِهِ، فَجَرَى مَجْرَى مَالِ الصَّحِيحِ، فَيَسْرِي عِتْقُهُ، كَسِرَايَةِ عِتْقِ الصَّحِيحِ الْمُوسِرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يَعْتِقُ إلَّا حِصَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَوْتِهِ يَزُولُ مِلْكُهُ إلَى وَرَثَتِهِ، فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ يُقْضَى مِنْهَا لِلشَّرِيكِ. وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُضَارُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ سَرَى، وَمَا دَبَّرَهُ أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ لَمْ يَسْرِ. وَقَالَ الرِّوَايَةُ فِي سِرَايَةِ الْعِتْقِ حَالَ الْحَيَاةِ أَصَحُّ، وَالرِّوَايَةُ فِي وُقُوفِهِ فِي التَّدْبِيرِ أَصَحُّ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْحَيَاةِ يَنْفُذُ فِي حَالِ مِلْكِ الْعِتْقِ وَصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، وَتَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثِهِ كَتَصَرُّفِ الصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ، وَأَمَّا التَّدْبِيرُ وَالْوَصِيَّةُ، فَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِهِ فِي حَالٍ يَزُولُ مِلْكُ الْمُعْتِقِ وَتَصَرُّفَاتُهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة دَبَّرَ بَعْضَ عَبْدِهِ وَهُوَ مَالِكٌ لِكُلِّهِ]
. (٨٦٢٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا دَبَّرَ بَعْضَهُ، وَهُوَ مَالِكٌ لِكُلِّهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا دَبَّرَ بَعْضَ عَبْدِهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: إذَا مِتُّ فَنِصْفُ عَبْدِي حُرٌّ. ثُمَّ مَاتَ، فَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute