بِمِخْفَقَةٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ، وَكَانَ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يَنْكِحُهَا أَبَدًا.
وَرَوَى، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَضَى فِي الَّتِي تَزَوَّجُ فِي عِدَّتِهَا، أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَتُكْمِلُ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ، وَتَعْتَدُّ مِنْ الْآخَرِ وَهَذَانِ قَوْلَا سَيِّدَيْنِ مِنْ الْخُلَفَاءِ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مَقْصُودَانِ لِآدَمِيَّيْنِ، فَلَمْ يَتَدَاخَلَا، كَالدَّيْنَيْنِ وَالْيَمِينَيْنِ، وَلِأَنَّهُ حَبْسٌ يَسْتَحِقُّهُ الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِي حَبْسِ رَجُلَيْنِ كَحَبْسِ الزَّوْجَةِ.
[مَسْأَلَة لِلزَّوْجِ الثَّانِي أَنَّ يَتَزَوَّجهَا بَعْدَ قَضَاءِ الْعِدَّتَيْنِ]
(٦٣٤٢) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّتَيْنِ يَعْنِي لِلزَّوْجِ الثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجهَا بَعْدَ قَضَاءِ الْعِدَّتَيْنِ. فَأَمَّا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ كَانَ طَلَاقُهُ ثَلَاثًا، لَمْ تَحِلّ لَهُ بِهَذَا النِّكَاحِ وَإِنْ وَطِئَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقُهُ دُونَ الثَّلَاثِ، فَلَهُ نِكَاحُهَا أَيْضًا بَعْدَ الْعِدَّتَيْنِ. وَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً، فَلَهُ رَجْعَتُهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي عَلَى التَّأْبِيدِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَدِيمُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِ عُمَرَ لَا يَنْكِحُهَا أَبَدًا. وَلِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ الْحَقَّ قَبْلَ وَقْتِهِ فَحُرِمَهُ فِي وَقْتِهِ، كَالْوَارِثِ إذَا قَتَلَ مَوْرُوثَهُ، وَلِأَنَّهُ يُفْسِدُ النَّسَبَ فَيُوقِعُ التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ، كَاللِّعَانِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: لَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ قَضَاءِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ نِكَاحِهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ نِكَاحِهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ، كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا شُرِعَتْ حِفْظًا لِلنَّسَبِ، وَصِيَانَةً لِلْمَاءِ، وَالنَّسَبُ، لَاحِقٌ بِهِ هَاهُنَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَهَذَا حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِلنَّظَرِ. وَلَنَا عَلَى إبَاحَتِهَا بَعْدَ الْعِدَّتَيْنِ، أَنَّهُ لَا يَخْلُو؛ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُهَا بِالْعَقْدِ أَوْ بِالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْ بِهِمَا، وَجَمِيعُ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ نَكَحَهَا بِلَا وَلِيٍّ وَوَطِئَهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ زَنَى بِهَا، لَمْ تُحَرِّمْ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَهَذَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ آيَاتِ الْإِبَاحَةِ عَامَّةٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَقَوْلُهُ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} [المائدة: ٥] .
فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي تَحْرِيمِهَا، فَقَدْ خَالَفَهُ عَلِيٌّ فِيهِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ عَلِيًّا قَالَ: إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَهُوَ خَاطِبٌ مِنْ الْخُطَّابِ. فَقَالَ عُمَرُ رُدُّوا الْجَهَالَاتِ إلَى السُّنَّةِ. وَرَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute