- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ أَنْ يَسْتَدْعِيَ زَوْجَتَهُ إلَيْهِ، وَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا. وَلِأَنَّهُ إمَّا يَمِينٌ، وَإِمَّا شَهَادَةٌ، وَأَيُّهُمَا كَانَ، فَمِنْ شَرْطِهِ الْحَاكِمُ.
وَإِنْ تَرَاضَى الزَّوْجَانِ بِغَيْرِ الْحَاكِمِ يُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّأْكِيدِ، فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ الْحَاكِمِ، كَالْحَدِّ. وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجَانِ حُرَّيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لِلسَّيِّدِ أَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا. وَلَنَا أَنَّهُ لِعَانٌ بَيْنَ زَوْجَيْنِ، فَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ أَوْ نَائِبِهِ، كَاللِّعَانِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ، ثُمَّ لَا يُشْبِهُ اللِّعَانُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ زَجْرٌ وَتَأْدِيبٌ، وَاللِّعَانُ إمَّا شَهَادَةٌ وَإِمَّا يَمِينٌ، فَافْتَرَقَا، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ دَارِئٌ لِلْحَدِّ، وَمُوجِبٌ لَهُ، فَجَرَى مَجْرَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الزِّنَا وَالْحُكْمِ بِهِ أَوْ بِنَفْيِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ خَفِرَةً لَا تَبْرُزُ لِحَوَائِجِهَا، بَعَثَ الْحَاكِمُ نَائِبَهُ، وَبَعَثَ مَعَهُ عُدُولًا، لِيُلَاعِنُوا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ بَعَثَ نَائِبَهُ وَحْدَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ وَاجِبٍ.
[فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ اللِّعَانُ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ]
(٦٢٨٥) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ اللِّعَانُ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ وَسَهْلَ بْنَ سَعْدٍ حَضَرُوهُ مَعَ حَدَاثَةِ أَسْنَانِهِمْ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ حَضَرَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ الصِّبْيَانَ إنَّمَا يَحْضُرُونَ الْمَجَالِسَ تَبَعًا لِلرِّجَالِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيظِ، مُبَالَغَةً فِي الرَّدْعِ بِهِ وَالزَّجْرِ، وَفِعْلُهُ فِي الْجَمَاعَةِ أَبْلَغُ فِي ذَلِكَ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصُوا عَنْ أَرْبَعَةٍ، لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزِّنَا الَّذِي شُرِعَ اللِّعَانُ مِنْ أَجْلِ الرَّمْيِ بِهِ أَرْبَعَةٌ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَاجِبًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَلَاعَنَا قِيَامًا، فَيَبْدَأُ الزَّوْجُ فَيَلْتَعِنُ وَهُوَ قَائِمٌ، فَإِذَا فَرَغَ قَامَتْ الْمَرْأَةُ فَالْتَعَنَتْ وَهِيَ قَائِمَةٌ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: «قُمْ فَاشْهَدْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ» وَلِأَنَّهُ إذَا قَامَ شَاهَدَهُ النَّاسُ، فَكَانَ أَبْلَغَ فِي شُهْرَتِهِ، فَاسْتُحِبَّ كَثْرَةُ الْجَمْعِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا. وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute