للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّك إنْ أَعَدْت عَلَيْهِ الْجَلْدَ، أَوْجَبْت عَلَيْهِ الرَّجْمَ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: فَلَا يُعَادُ فِي فِرْيَةٍ جَلْدٌ مَرَّتَيْنِ.

قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: قَوْلَ عَلِيٍّ: إنْ جَلَدْتَهُ فَارْجُمْ صَاحِبَك؟ قَالَ: كَأَنَّهُ جَعَلَ شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَكُنْت أَنَا أُفَسِّرُهُ عَلَى هَذَا، حَتَّى رَأَيْته فِي الْحَدِيثِ، فَأَعْجَبَنِي. ثُمَّ قَالَ: يَقُولُ إذَا جَلَدْتَهُ ثَانِيَةً، فَكَأَنَّك جَعَلْتَهُ شَاهِدًا آخَرَ فَأَمَّا إنْ حُدَّ لَهُ، ثُمَّ قَذَفَهُ بِزِنًا ثَانٍ، نَظَرْت؛ فَإِنْ قَذَفَهُ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ، فَحَدٌّ ثَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَسْقُطُ حُرْمَةُ الْمَقْذُوفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَاذِفِ أَبَدًا، بِحَيْثُ يُمَكَّنُ مِنْ قَذْفِهِ بِكُلِّ حَالٍ. وَإِنْ قَذَفَهُ عَقِيبَ حَدِّهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: يُحَدُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ فِيهِ بِحَدٍّ، فَيَلْزَمُ فِيهِ حَدٌّ، كَمَا لَوْ طَالَ الْفَصْلُ؛ وَلِأَنَّ سَائِرَ أَسْبَابِ الْحَدِّ إذَا تَكَرَّرَتْ بَعْدَ أَنْ حُدَّ لِلْأَوَّلِ، ثَبَتَ لِلثَّانِي حُكْمُهُ، كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَسْبَابِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حُدَّ لَهُ مَرَّةً، فَلَمْ يُحَدَّ لَهُ بِالْقَذْفِ عَقِبَهُ، كَمَا لَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا الْأَوَّلِ.

[فَصْلٌ قَالَ مَنْ رَمَانِي فَهُوَ ابْنُ الزَّانِيَةِ]

(٧٢٤٦) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ: مَنْ رَمَانِي فَهُوَ ابْنُ الزَّانِيَةِ. فَرَمَاهُ رَجُلٌ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَ رَجُلَانِ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: الْكَاذِبُ هُوَ ابْنُ الزَّانِيَةِ. فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا بِالْقَذْفِ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ هَذَا. وَلَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً لَا يُتَصَوَّرُ صِدْقُهُ فِي قَذْفِهِمْ، مِثْلُ أَنْ يَقْذِفَ أَهْلَ بَلْدَةٍ كَثِيرَةٍ بِالزِّنَا كُلَّهُمْ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلْحِقْ الْعَارَ بِأَحَدٍ غَيْرِ نَفْسِهِ، لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ.

[فَصْلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَهُ فَأَنْكَرَ]

(٧٢٤٧) فَصْلٌ: وَإِنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَهُ، فَأَنْكَرَ، لَمْ يُسْتَحْلَفْ. وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَعَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ، حَكَاهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، فَيُسْتَحْلَفُ فِيهِ كَالدَّيْنِ. وَوَجْهُ الْأُولَى: أَنَّهُ حَدٌّ، فَلَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ، كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ. فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، فَلَا يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ، كَسَائِرِ الْحُدُودِ.

[مَسْأَلَةٌ قَتَلَ أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ الْحَرَمِ ثُمَّ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ]

(٧٢٤٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ قَتَلَ، أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ الْحَرَمِ، ثُمَّ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ، لَمْ يُبَايَعْ وَلَمْ يُشَارَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ، فَيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ قَتْلًا خَارِجَ الْحَرَمِ، ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ، لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِيهِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِسْحَاقَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ.

وَأَمَّا غَيْرُ الْقَتْلِ مِنْ الْحُدُودِ كُلِّهَا وَالْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>