فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقْرِعُ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتَهنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا. قَالَ: هَذَا لِلْوَاحِدَةِ، لَيْسَ الذُّرِّيَّةَ.
وَهَذَا مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ أَهْلِ الثَّغْرِ، لَا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الِانْتِقَالُ بِأَهْلِهِمْ إلَى ثَغْرٍ مَخُوفٍ، فَأَمَّا أَهْلُ الثَّغْرِ، فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ السُّكْنَى بِأَهْلِهِمْ، لَوْلَا ذَلِكَ لَخَرِبَتْ الثُّغُورُ وَتَعَطَّلَتْ. وَخَصَّ الثُّغُورَ الْمَخُوفَةَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ اخْتَارَ سُكْنَى دِمَشْقَ وَنَحْوِهَا، مَعَ كَوْنِهَا ثَغْرًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ سَلَامَتُهَا، وَسَلَامَةُ أَهْلِهَا.
[فَصْلٌ لِأَهْلِ الثَّغْرِ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ]
(٧٤٢٩) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الثَّغْرِ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ لِصَلَوَاتِهِمْ كُلِّهَا، لِيَكُونَ أَجْمَعَ لَهُمْ، وَإِذَا حَضَرَ النَّفِيرُ صَادَفَهُمْ مُجْتَمِعِينَ، فَيَبْلُغُ الْخَبَرُ جَمِيعَهُمْ، وَإِنْ جَاءَ خَبَرٌ يَحْتَاجُونَ إلَى سَمَاعِهِ، أَوْ أَمْرٌ يُرَادُ إعْلَامُهُمْ بِهِ، يَعْلَمُونَهُ، وَيَرَاهُمْ عَيْنُ الْكُفَّارِ، فَيَعْلَمُ كَثْرَتَهُمْ فَيُخَوَّفُ بِهِمْ. قَالَ أَحْمَدُ: إنْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ يَرَى الْجَاسُوسُ قِلَّتَهُمْ. قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ الْأَوْزَاعِيُّ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي بِالثَّغْرِ: لَوْ أَنَّ لِي عَلَيْهَا وِلَايَةً، لَسَمَّرْت أَبْوَابَهَا - وَلَمْ يَقُلْ: لَخَرَّبْتهَا - حَتَّى تَكُونَ صَلَاتُهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، حَتَّى إذَا جَاءَ النَّفِيرُ وَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ، لَمْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ إذَا كَانُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ.
[فَصْلٌ الْحَرَسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]
(٧٤٣٠) وَفِي الْحَرَسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَضْلٌ كَبِيرٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ؛ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَحِمَ اللَّهُ حَارِسَ الْحَرَسِ» .
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ، «أَنَّهُمْ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَأَطْنَبُوا السَّيْرَ حَتَّى كَانَ عَشِيَّةً، قَالَ: مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟» قَالَ أَنَسُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَارْكَبْ ". فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ، وَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: " اسْتَقْبِلْ هَذَا الشِّعْبَ، حَتَّى تَكُونَ فِي أَعْلَاهُ، وَلَا أَغَرَّنَّ مِنْ قِبَلِك اللَّيْلَةَ ". فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مُصَلَّاهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute