التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
[مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَمَا أَشْبَهَهُ]
(٢٩١٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ، وَالْبَاذِنْجَانِ، وَمَا أَشْبَهَهُ، إلَّا لَقْطَةً لَقْطَةً وَجُمْلَةُ ذَلِكَ؛ أَنَّهُ إذَا بَاعَ ثَمَرَةَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبُقُولِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بَيْعُ الْمَوْجُودِ مِنْهَا، دُونَ الْمَعْدُومِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ بَيْعُ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ تَمْيِيزُهُ، فَجُعِلَ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَبَعًا لِمَا ظَهَرَ، كَمَا أَنَّ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ تَبَعٌ لِمَا بَدَا. وَلَنَا، أَنَّهَا ثَمَرَةٌ لَمْ تُخْلَقْ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا، كَمَا لَوْ بَاعَهَا قَبْلَ ظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِبَيْعِ أُصُولِهِ، وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يُخْلَقْ.
وَلِأَنَّ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْ ثَمَرَةِ النَّخْلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِمَا خُلِقَ، وَإِنْ كَانَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ تَبَعًا لِمَا بَدَا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَإِنْ بَاعَهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا جَازَ مُطْلَقًا، وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَالتَّبْقِيَةِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي ثَمَرَةِ الْأَشْجَارِ. وَقَدْ بَيَّنَّا بِمَاذَا يَكُونُ بُدُوُّ صَلَاحِهِ.
[فَصْلٌ بَيْعُ أُصُولِ الْبُقُولِ الَّتِي تَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ]
(٢٩١١) فَصْلٌ: قَالَ الْقَاضِي: وَيَصِحُّ بَيْعُ أُصُولِ هَذِهِ الْبُقُولِ الَّتِي تَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْأُصُولِ صِغَارًا أَوْ كِبَارًا، مُثْمِرَةً أَوْ غَيْرَ مُثْمِرَةٍ، لِأَنَّهُ أَصْلٌ تَكَرَّرَ فِيهِ الثَّمَرَةُ، فَأَشْبَهَ الشَّجَرَ.
فَإِنْ بَاعَ الْمُثْمِرَ مِنْهُ، فَثَمَرَتُهُ الظَّاهِرَةُ لِلْبَائِعِ، مَتْرُوكَةٌ إلَى حِينِ بُلُوغِهَا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ. فَإِنْ حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي. فَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِثَمَرَةِ الْبَائِعِ، وَلَمْ تَتَمَيَّزْ، كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ إذَا اخْتَلَطَتْ بِثَمَرَةٍ أُخْرَى، عَلَى مَا مَرَّ حُكْمُهُ.
[فَصْلٌ بَيْعُ مَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَسْتُورٌ فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَغَيْرِهِ]
(٢٩١٢) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَسْتُورٌ فِي الْأَرْضِ، كَالْجَزَرِ، وَالْفُجْلِ، وَالْبَصَلِ، وَالثُّومِ حَتَّى يُقْلَعَ، وَيُشَاهَدَ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَأَبَاحَهُ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ تَبَعًا لِمَا بَدَا.
وَلَنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ مَجْهُولٌ، لَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْحَمْلِ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهَذَا غَرَرٌ. وَأَمَّا بَيْعُ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، فَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَتَلَاحَقُ فِي الصَّلَاحِ، وَيَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا تُقْصَدُ فُرُوعُهُ وَأُصُولُهُ، كَالْبَصَلِ الْمَبِيعِ أَخْضَرَ، وَالْكُرَّاثِ، وَالْفُجْلِ، أَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ فُرُوعَهُ، فَالْأَوْلَى جَوَازُ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ ظَاهِرٌ، فَأَشْبَهَ الشَّجَرَ، وَالْحِيطَانَ الَّتِي لَهَا أَسَاسَاتٌ مَدْفُونَةٌ.
وَيَدْخُلُ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا، فَلَا تَضُرُّ جَهَالَتُهُ، كَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ مَعَ الْحَيَوَانِ، وَإِنْ كَانَ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ أُصُولَهُ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ. فَإِنْ تُسَاوَيَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الشَّرْطِ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ فِيمَا كَانَ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ ظَاهِرًا تَبَعًا، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ.