للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّوْجِيَّةِ أَوْ بَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ: تَرِثُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَلِأَنَّهَا شَخْصٌ يَرِثُ مَعَ انْتِفَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، فَوَرِثَ مَعَهَا، كَسَائِرِ الْوَارِثِينَ

وَلَنَا، أَنَّ هَذِهِ وَارِثَةٌ مِنْ زَوْجٍ، فَلَا تَرِثُ زَوْجًا سِوَاهُ، كَسَائِرِ الزَّوْجَاتِ، وَلِأَنَّ التَّوَارُثَ مِنْ حُكْمِ النِّكَاحِ، فَلَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ نِكَاحٍ آخَرَ، كَالْعِدَّةِ، وَلِأَنَّهَا فَعَلَتْ بِاخْتِيَارِهَا مَا يُنَافِي نِكَاحَ الْأَوَّلِ لَهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فَسْخُ النِّكَاحِ مِنْ قِبَلِهَا (٤٩٧٩) فَصْلٌ: وَلَوْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَهُ، لَمْ تَرِثْهُ، فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَزُفَرَ، أَنَّهَا تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقُ مَرَضٍ قُصِدَ بِهِ الْفِرَارُ مِنْ الْمِيرَاثِ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَصِحَّ

وَلَنَا، أَنَّ هَذِهِ بَائِنٌ بِطَلَاقٍ فِي غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ، فَلَمْ تَرِثْهُ، كَالْمُطَلَّقَةِ فِي الصِّحَّةِ، وَلِأَنَّ حُكْمَ هَذَا الْمَرَضِ حُكْمُ الصِّحَّةِ فِي الْعَطَايَا وَالْإِعْتَاقِ وَالْإِقْرَارِ، فَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ. وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا قَصَدَ الْفِرَارَ بِالطَّلَاقِ فِي صِحَّتِهِ.

[فَصْلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ]

(٤٩٨٠) فَصْلٌ: وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهَا أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ؛ إحْدَاهُنَّ، لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَالْمِيرَاثُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ ثَبَتَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا لِفِرَارِهِ مِنْهُ، وَهَذَا فَارٌّ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِيرَاثُ ثَبَتَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ وَتَكْمِيلُ الصَّدَاقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، لِأَنَّا جَعَلْنَاهَا فِي حُكْمِ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُوجِبُ عِدَّةً عَلَى غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا

الثَّانِيَةُ، لَهَا الْمِيرَاثُ وَالصَّدَاقُ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ عَلَيْهَا، فَلَا يَجِبُ بِفِرَارِهِ. وَالثَّالِثَةُ، لَهَا الْمِيرَاثُ وَنِصْفُ الصَّدَاقِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، فِي رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ تَرِثُ يَجِبُ أَنْ تَعْتَدَّ، وَلَا يَكْمُلُ الصَّدَاقُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى تَنْصِيفِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ. وَالرَّابِعَةُ، لَا مِيرَاثَ لَهَا، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ.

وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: لَا مِيرَاثَ لَهَا، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: تَرِثُ. قَالَ أَحْمَدُ: أَذْهَبُ إلَى قَوْلِ جَابِرٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى تَنْصِيفِ الصَّدَاقِ، وَنَفَى الْعِدَّةَ عَنْ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧]

<<  <  ج: ص:  >  >>