لِأَنَّهُ أَنْفَقَهُ عَلَى مِلْكِهِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ، لَكِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ، لِيَحْتَسِبَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ، فَفَعَلَ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي أَيْضًا
وَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ نَفَقَةً غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَى الْمَالِكِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَمَرَ دَارًا لَهُ أُخْرَى.
[مَسْأَلَة اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَمَرِضَ]
(٤١٨٧) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، فَمَرِضَ، أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُهُ، وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْمَرِيضِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْآدَمِيِّ، بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ آجَرَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَفْسَهُ لِرِعَايَةِ الْغَنَمِ. وَاسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا لِيَدُلَّهُمَا عَلَى الطَّرِيقِ «. وَذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ، كُلُّ أَجِيرٍ بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ، وَقَالَ: إنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غَدْوَةٍ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ؟ فَعَمِلْتُمْ أَنْتُمْ. فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ أَجْرًا فَقَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَإِنَّمَا هُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ» . وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، فَجَازَتْ إجَارَتُهُ، كَالدُّورِ. ثُمَّ إجَارَتُهُ تَقَعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا اسْتِئْجَارُهُ مُدَّةً بِعَيْنِهَا، لِعَمَلٍ بِعَيْنِهِ، كَإِجَارَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَفْسَهُ ثَمَانِيَ حِجَجٍ، وَاسْتِئْجَارِ الْأُجَرَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْخَبَرِ
وَالثَّانِي، اسْتِئْجَارُهُ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ فِي الذِّمَّةِ، كَاسْتِئْجَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ دَلِيلًا يَدُلُّهُمَا عَلَى الطَّرِيقِ، وَاسْتِئْجَارِ رَجُلٍ لِخِيَاطَةِ قَمِيصٍ أَوْ بِنَاءِ حَائِطٍ، وَيَتَنَوَّعُ ذَلِكَ نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَقَعَ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنٍ، كَإِجَارَةِ عَبْدِهِ لِرِعَايَةِ غَنَمِهِ، أَوْ وَلَدِهِ لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ. وَالثَّانِي أَنْ تَقَعَ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ كَخِيَاطَةِ قَمِيصٍ وَبِنَاءِ حَائِطٍ، فَمَتَى كَانَتْ عَلَى عَمَلٍ فِي ذِمَّتِهِ فَمَرِضَ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ إيفَاؤُهُ، كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إنْظَارُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي التَّعْجِيلَ، وَفِي التَّأْخِيرِ إضْرَارٌ بِهِ
فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَبْدِهِ فِي مُدَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَمَرِضَ لَمْ يُقِمْ غَيْرَهُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ عَلَى عَمَلِهِ بِعَيْنِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute