ابْنِ عُمَرَ: عَامَلَ أَهْلَ، خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَسَوَاءٌ قَلَّ الْجُزْءُ أَوْ كَثُرَ، فَلَوْ شَرَطَ لِلْعَامِلِ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ، وَجَعَلَ جُزْءًا مِنْهَا لِنَفْسِهِ وَالْبَاقِيَ لِلْعَامِلِ، جَازَ مَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حِيلَةً، وَكَذَلِكَ إنْ عَقَدَهُ عَلَى أَجْزَاءٍ مَعْلُومَةٍ، كَالْخَمْسِينَ
وَثَلَاثَةِ أَثْمَانٍ، أَوْ سُدُسٍ وَنِصْفِ سُبْعٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَ. وَإِنْ عَقَدَ عَلَى جُزْءٍ مُبْهَمٍ، كَالسَّهْمِ وَالْجُزْءِ وَالنَّصِيبِ وَالْحَظِّ وَنَحْوِهِ لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَمْ تُمْكِنْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى آصُعٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ جَعَلَ مَعَ الْجُزْءِ الْمَعْلُومِ آصُعًا، لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَحْصُلْ غَيْرُهُ، فَيَسْتَضِرُّ رَبُّ الشَّجَرِ أَوْ رُبَّمَا كَثُرَ الْحَاصِلُ فَيَسْتَضِرُّ الْعَامِلُ. وَإِنْ شَرَطَ لَهُ ثَمَرَ نَخَلَاتٍ بِعَيْنِهَا، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا قَدْ لَا تَحْمِلُ، فَتَكُونُ الثَّمَرَةُ كُلُّهَا لِرَبِّ الْمَالِ، وَقَدْ لَا تَحْمِلُ غَيْرُهَا، فَتَكُونُ الثَّمَرَةُ كُلُّهَا لِلْعَامِلِ، وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَارَعَةِ الَّتِي يَجْعَلُ فِيهَا لِرَبِّ الْأَرْضِ مَكَانًا مُعَيَّنًا، وَلِلْعَامِلِ مَكَانًا مُعَيَّنًا» .
«قَالَ رَافِعٌ: كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ، عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ، وَلَهُمْ هَذِهِ. فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِهِ، فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَلَمْ يَنْهَنَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَمَتَى شَرَطَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ، وَالثَّمَرَةُ كُلُّهَا لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ. وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ، كَالْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ. الثَّانِي أَنَّ الشَّرْطَ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ بِالشَّرْطِ، فَالشَّرْطُ يُرَادُ لِأَجْلِهِ، وَرَبُّ الْمَالِ يَأْخُذُ بِمَالِهِ لَا بِالشَّرْطِ، فَإِذَا قَالَ: سَاقِيَّتك، عَلَى أَنَّ لَك ثُلُثَ الثَّمَرَةِ
صَحَّ، وَكَانَ الْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ. وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّ لِي ثُلُثَ الثَّمَرَةِ. فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَصِحُّ، وَالْبَاقِي لِلْعَامِلِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا تَعْلِيلَ ذَلِكَ فِي الْمُضَارَبَةِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ لِمَنْ هُوَ مِنْهُمَا فَهُوَ لِلْعَامِلِ، لِأَنَّ الشَّرْطَ يُرَادُ لِأَجْلِهِ، كَمَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ كَانَ فِي الْبُسْتَانِ شَجَرٌ مِنْ أَجْنَاسٍ كَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَالْكَرْمِ وَالرُّمَّانِ]
فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ شَجَرٌ مِنْ أَجْنَاسٍ، كَالتِّينِ، وَالزَّيْتُونِ، وَالْكَرْمِ، وَالرُّمَّانِ، فَشَرَطَ لِلْعَامِلِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ قَدْرًا، كَنِصْفِ ثَمَرِ التِّينِ، وَثُلُثِ الزَّيْتُونِ، وَرُبْعِ الْكَرْمِ، وَخُمْسِ الرُّمَّانِ، أَوْ كَانَ فِيهِ أَنْوَاعٌ مِنْ جِنْسٍ، فَشَرَطَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ قَدْرًا، وَهُمَا يَعْلَمَانِ قَدْرَ كُلِّ نَوْعٍ، صَحَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَأَرْبَعَةِ بَسَاتِينَ، سَاقَاهُ عَلَى كُلِّ بُسْتَانٍ بِقَدْرٍ مُخَالِفٍ لِلْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الْآخَرِ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَهُ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرُ مَا فِي الْبُسْتَانِ مِنْ النَّوْعِ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْقَلِيلُ. أَوْ أَكْثَرُهُ مِمَّا شُرِطَ فِيهِ الْكَثِيرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute