للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلَهُ، لَمْ يَشَأْ أَحَدٌ أَنْ يُبْطِلَ شَهَادَةَ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ إلَّا أَبْطَلَهَا، فَتَضِيعَ الْحُقُوقُ، وَتَذْهَبَ حِكْمَةُ شَرْعِ الْبَيِّنَةِ.

[فَصْلٌ شَهَادَةُ الْمُتَوَسِّمِينَ]

(٨٢٥٨) فَصْلٌ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُتَوَسِّمِينَ، وَذَلِكَ إذَا حَضَرَ مُسَافِرَانِ، فَشَهِدَا عِنْدَ حَاكِمٍ لَا يَعْرِفُهُمَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا. وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْبَلُهُمَا إذَا رَأَى فِيهِمَا سِيمَا الْخَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ عَدَالَتِهِمَا، فَفِي التَّوَقُّفِ عَنْ قَبُولِهِمَا تَضْيِيعُ الْحُقُوقِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِمَا إلَى السِّيمَاءِ الْجَمِيلَةِ.

وَلَنَا، أَنَّ عَدَالَتَهُمَا مَجْهُولَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا، كَشَاهِدَيْ الْحَضَرِ. وَمَا ذَكَرُوهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ قَبُولَ شَهَادَتِهِمَا يُفْضِي إلَى أَنْ يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا بِدَفْعِ الْحَقِّ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ.

[فَصْلٌ لِلْقَاضِيَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شُهُودِهِ كُلَّ قَلِيلٍ]

(٨٢٥٩) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شُهُودِهِ كُلَّ قَلِيلٍ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ. وَهَلْ هَذَا مُسْتَحَبُّ أَوْ وَاجِبٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ، فَلَا يَزُولُ حَتَّى يَثْبُت الْجَرْحُ. وَالثَّانِي، يَجِبُ الْبَحْثُ كُلَّمَا مَضَتْ مُدَّةٌ يَتَغَيَّرُ الْحَالُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ يَحْدُثُ، وَذَلِكَ عَلَى مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، مِثْلُ هَذَيْنِ.

[فَصْلٌ شَهَادَةَ غَيْرِ الْمُرَتَّبِينَ]

(٨٢٦٠) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُرَتِّبَ شُهُودًا لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وَلِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالنَّاسِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْوَقَائِعِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ فِيهَا تَقَعُ عِنْدَ غَيْرِ الْمُرَتَّبِينَ، فَمَتَى ادَّعَى إنْسَانٌ شَهَادَةَ غَيْرِ الْمُرَتَّبِينَ، وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعُ بَيِّنَتِهِ، وَالنَّظَرُ فِي عَدَالَةِ شَاهِدَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُمْ بِكَوْنِهِمْ مِنْ غَيْرِ الْمُرَتَّبِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يُرَتِّبَ شُهُودًا يُشْهِدُهُمْ النَّاسُ، فَيَسْتَغْنُونَ بِإِشْهَادِهِمْ عَنْ تَعْدِيلِهِمْ، وَيَسْتَغْنِي الْحَاكِمُ عَنْ الْكَشْفِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ، فَيَكُونُ فِيهِ تَخْفِيفٌ مِنْ وَجْهٍ، وَيَكُونُونَ أَيْضًا يُزَكُّونَ مَنْ عَرَفُوا عَدَالَتَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ إذَا شَهِدَ.

[فَصْلٌ يَعِظَ الْقَاضِي الشَّاهِدَيْنِ]

(٨٢٦١) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعِظَ الشَّاهِدَيْنِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلشَّاهِدَيْنِ إذَا حَضَرَا: يَا هَذَانِ، أَلَا تَرَيَانِ؟ إنِّي لَمْ أَدْعُكُمَا، وَلَسْت أَمْنَعُكُمَا أَنْ تَرْجِعَا، وَإِنَّمَا يَقْضِي عَلَى هَذَا أَنْتُمَا، وَأَنَا مُتَّقٍ بِكُمَا، فَاتَّقِيَا. وَفِي لَفْظٍ: وَإِنِّي بِكُمَا أَقْضِي الْيَوْمَ، وَبِكُمَا أَتَّقِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ

وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ كُنْت عِنْدَ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَهُوَ قَاضِي الْكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>