[فَصْلٌ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ]
(١٥٧٢) فَصْلٌ: فَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهَا رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا بَأْسَ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ فِي الْمَقْبَرَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ذَكَرَ نَافِعٌ أَنَّهُ صُلِّيَ عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَسْطَ قُبُورِ الْبَقِيعِ صَلَّى عَلَى عَائِشَةَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَحَضَرَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَفَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ ذَلِكَ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَالْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ» وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِلصَّلَاةِ غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَكُرِهَتْ فِيهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ كَالْحَمَّامِ.
[مَسْأَلَةٌ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ]
(١٥٧٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ التَّكْبِيرِ قَضَاهُ مُتَتَابِعًا، فَإِنْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقْضِ، فَلَا بَأْسَ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَسْبُوقَ بِتَكْبِيرِ الصَّلَاةِ فِي الْجِنَازَةِ يُسَنُّ لَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْهَا. وَمِمَّنْ قَالَ: يَقْضِي مَا فَاتَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ فَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلَا بَأْسَ.
هَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ قَالُوا: لَا يَقْضِي مَا فَاتَ مِنْ تَكْبِيرَةِ الْجِنَازَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا لَمْ يَقْضِ لَمْ يُبَالِ. الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يَقْضِي. وَإِنْ كَبَّرَ مُتَتَابِعًا فَلَا بَأْسَ. كَذَلِكَ قَالَ إبْرَاهِيمُ وَقَالَ أَيْضًا يُبَادِرُ بِالتَّكْبِيرِ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ إنْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا: لَا تَصِحُّ.
وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» وَفِي لَفْظٍ: " فَاقْضُوا " وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ.
وَلَنَا، قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُ التَّكْبِيرِ؟ قَالَ: «مَا سَمِعْتِ فَكَبِّرِي، وَمَا فَاتَكِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْكِ» وَهَذَا صَرِيحٌ.
وَلِأَنَّهَا تَكْبِيرَاتٌ مُتَوَالِيَاتٌ حَالَ الْقِيَامِ، فَلَمْ يَجِبْ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْهَا، كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَحَدِيثُهُمْ وَرَدَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ: «وَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute