للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْفَاءِ، فَاقْتَضَى ثُبُوتَهُمَا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ. وَقَدْ سَلَّمَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ احْتِمَالِ الصِّفَةِ بَعِيدٌ، لَا يُفْهَمُ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ، فَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهِ، كَمَا لَوْ فَسَّرَ الدَّرَاهِمَ الْمُطْلَقَةَ بِأَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ صِغَارٌ أَوْ مُؤَجَّلَةٌ.

وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ. لَزِمَتْهُ ثَلَاثَةٌ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِينَارٌ، أَوْ فَدِينَارٌ، أَوْ قَفِيزُ حِنْطَةٍ. وَنَحْوُ ذَلِكَ. لَزِمَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ. لَزِمَتْهُ ثَلَاثَةٌ. وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَرَدْت بِالثَّالِثِ تَأْكِيدَ الثَّانِي وَبَيَانَهُ. أَنَّهُ يُقْبَلُ.

وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ فِي لَفْظِ الثَّانِي، وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ غَيْرَ الثَّانِي، كَمَا كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَالْإِقْرَارُ لَا يَقْتَضِي تَأْكِيدًا، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْعَدَدِ.

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ. لَزِمَتْهُ الثَّلَاثَةُ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ مُغَايِرٌ لِلثَّانِي، لِاخْتِلَافِ حَرْفَيْ الْعَطْفِ الدَّاخِلَيْنِ عَلَيْهِمَا، فَلَمْ يَحْتَمِلْ التَّأْكِيدَ.

[فَصْل قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ أَوْ دِرْهَمٌ لَكِنَّ دِرْهَمَانِ]

(٣٨٤٣) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ، أَوْ دِرْهَمٌ لَكِنْ دِرْهَمَانِ. لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ زُفَرُ وَدَاوُد تَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ " بَلْ " لِلْإِضْرَابِ، فَلَمَّا أَقَرَّ بِدِرْهَمِ وَأَضْرَبَ عَنْهُ، لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ، وَلَزِمَهُ الدِّرْهَمَانِ اللَّذَانِ أَقَرَّ بِهِمَا. وَلَنَا، أَنَّهُ إنَّمَا نَفَى الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدٍ، وَأَثْبَتَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، بَلْ أَكْثَرُ. فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ.

وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، بَلْ دِرْهَمٌ، أَوْ لَكِنْ دِرْهَمٌ. فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، لَا بَلْ أَنْتِ طَالِقٌ: إنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً. وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمٍ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ أَنْكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: بَلْ عَلَيَّ دِرْهَمٌ. وَ " لَكِنْ " لِلِاسْتِدْرَاكِ، فَهِيَ فِي مَعْنَى " بَلْ " إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا بَعْدَ الْجَحْدِ، إلَّا أَنْ يُذْكَرَ بَعْدَهَا جُمْلَةٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي، يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ. وَيَقْتَضِيهِ قَوْلُ زُفَرَ وَدَاوُد؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْإِضْرَابِ يُغَايِرُ مَا قَبْلَهُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدِّرْهَمُ الَّذِي أَضْرَبَ عَنْهُ غَيْرَ الدِّرْهَمِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ بَعْدَهُ، فَيَجِبُ الِاثْنَانِ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، بَلْ دِينَارٌ. وَلِأَنَّ " بَلْ " مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>