جُشَمَ. قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ: فَبَعَثَ ذَلِكَ الْمَالَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا. وَابْنَةُ عَمِّهِ الَّتِي أَوْصَى لَهَا هِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ الْغُلَامُ ابْنَ عَشْرٍ أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. وَهَذِهِ قِصَّةٌ انْتَشَرَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ تَمَحَّضَ نَفْعًا لِلصَّبِيِّ، فَصَحَّ مِنْهُ، كَالْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَدَقَةٌ يَحْصُلُ ثَوَابُهَا لَهُ بَعْدَ غِنَاهُ عَنْ مِلْكِهِ وَمَالِهِ، فَلَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي عَاجِلِ دُنْيَاهُ وَلَا أُخْرَاهُ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ، فَإِنَّهُ يَفُوتُ مِنْ مَالِهِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَإِذَا رُدَّتْ رَجَعَتْ إلَيْهِ، وَهَا هُنَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بِالرَّدِّ، وَالطِّفْلُ لَا عَقْلَ لَهُ، وَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ وَلَا عِبَادَاتُهُ. وَقَوْله: " إذَا وَافَقَ الْحَقَّ ". يَعْنِي إذَا وَصَّى بِوَصِيَّةٍ يَصِحُّ مِثْلُهَا مِنْ الْبَالِغِ، صَحَّتْ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ شُرَيْحٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ، وَهُمَا قَاضِيَانِ: مَنْ أَصَابَ الْحَقَّ أَجَزْنَا وَصِيَّتَهُ.
[فَصْل الطِّفْلُ وَهُوَ مَنْ لَهُ دُون السَّبْعِ وَالْمَجْنُونُ والمبرسم لَا وَصِيَّةَ لَهُمْ]
(٤٧٢٣) فَصْلٌ: فَأَمَّا الطِّفْلُ، وَهُوَ مَنْ لَهُ دُونَ السَّبْعِ، وَالْمَجْنُونُ، والمبرسم، فَلَا وَصِيَّةَ لَهُمْ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ؛ حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ
وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمْ إلَّا إيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، قَالَ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ: إذَا وَافَقَتْ وَصِيَّتُهُمْ الْحَقَّ جَازَتْ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِمَا، وَلَا تَصِحُّ عِبَادَتُهُمَا، وَلَا شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمَا، فَكَذَا الْوَصِيَّةُ، بَلْ أَوْلَى، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ وَصَلَاتُهُ الَّتِي هِيَ مَحْضُ نَفْعٍ لَا ضَرَرَ فِيهَا، فَلَأَنْ لَا يَصِحَّ بَذْلُهُ الْمَالَ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَارِثُهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ.
[فَصْلٌ الْمَحْجُور عَلَيْهِ لَسَفَّهُ فِي الْوَصِيَّة]
(٤٧٢٤) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ تَصِحُّ، فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَحْمَدَ. قَالَ الْخَبْرِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِي وَصِيَّتِهِ وَجْهَانِ. وَلَنَا، أَنَّهُ عَاقِلٌ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَلِأَنَّ وَصِيَّتَهُ تَمَحَّضَتْ نَفْعًا لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَصَحَّتْ كَعِبَادَاتِهِ. وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ أَحْيَانًا، وَيُفِيقُ أَحْيَانًا، فَإِنْ وَصَّى حَالِ جُنُونِهِ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ وَصَّى فِي حَالِ عَقْلِهِ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعُقَلَاءِ فِي شَهَادَتِهِ، وَوُجُوبِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ فِي وَصِيَّتِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ
وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ السَّكْرَانِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ قَوْلَانِ. يَعْنِي وَجْهَيْنِ. وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِلٍ، فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ كَالْمَجْنُونِ. وَأَمَّا إيقَاعُ طَلَاقِهِ، فَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ مَنْ أَوْقَعَهُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، لِارْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ، فَلَا يَتَعَدَّى هَذَا إلَى وَصِيَّتِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهَا، إنَّمَا الضَّرَرُ عَلَى وَارِثِهِ. وَأَمَّا الضَّعِيفُ فِي عَقْلِهِ، فَإِنْ مَنَعَ ذَلِكَ رُشْدَهُ فِي مَالِهِ، فَهُوَ كَالسَّفِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْعَاقِلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute