للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ غَصْب جَوْهَرَةً فَابْتَلَعَتْهَا بَهِيمَةٌ]

(٣٩٨٦) فَصْلٌ: (وَإِنْ غَصَبَ جَوْهَرَةً، فَابْتَلَعَتْهَا بَهِيمَةٌ،) فَقَالَ أَصْحَابُنَا: حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَيْطِ الَّذِي خَاطَ بِهِ جُرْحَهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْجَوْهَرَةَ مَتَى كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْحَيَوَانِ، ذُبِحَ الْحَيَوَانُ، وَرُدَّتْ إلَى مَالِكِهَا، وَضَمَانُ الْحَيَوَانِ عَلَى الْغَاصِبِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ آدَمِيًّا. وَفَارَقَ الْخَيْطَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ أَقَلُّ قِيمَةً مِنْ الْحَيَوَانِ، وَالْجَوْهَرَةُ أَكْثَرُ قِيمَةً، فَفِي ذَبْحِ الْحَيَوَانِ رِعَايَةُ حَقِّ الْمَالِكِ بِرَدِّ عَيْنِ مَالِهِ إلَيْهِ، وَرِعَايَةُ حَقِّ الْغَاصِبِ بِتَقْلِيلِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ.

وَإِنْ ابْتَلَعَتْ شَاةُ رَجُلٍ جَوْهَرَةَ آخَرَ غَيْرَ مَغْصُوبَةٍ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهَا إلَّا بِذَبْحِ الشَّاةِ، ذُبِحَتْ إذَا كَانَ ضَرَرُ ذَبْحِهَا أَقَلَّ، وَكَانَ ضَمَانُ نَقْصِهَا عَلَى صَاحِبِ الْجَوْهَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيطُ مِنْ صَاحِبِ الشَّاةِ، بِكَوْنِ يَدِهِ عَلَيْهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الْجَوْهَرَةِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ صَاحِبِ الشَّاةِ، فَالضَّرَرُ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَدْخَلَتْ رَأْسَهَا فِي قُمْقُمٍ، فَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِذَبْحِهَا، وَكَانَ الضَّرَرُ فِي ذَبْحِهَا أَقَلَّ، ذُبِحَتْ. وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ فِي كَسْرِ الْقُمْقُمِ أَقَلَّ، كُسِرَ الْقُمْقُمُ، وَإِنْ كَانَ التَّفْرِيطُ مِنْ صَاحِبِ الشَّاةِ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ التَّفْرِيطُ مِنْ صَاحِبِ الْقُمْقُمِ، بِأَنْ وَضَعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا تَفْرِيطٌ، فَالضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الشَّاةِ إنْ كُسِرَ الْقُمْقُمُ؛ لِأَنَّهُ كُسِرَ لِتَخْلِيصِ شَاتِهِ، وَإِنْ ذَبَحَتْ الشَّاةُ، فَالضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الْقُمْقُمِ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ قُمْقُمِهِ،

فَإِنْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ مِنْهُمَا: أَنَا أُتْلِفُ مَالِي، وَلَا أَغْرَمُ شَيْئًا لِلْآخَرِ. فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مَالِ الْآخَرِ إنَّمَا كَانَ لِحَقِّهِ، وَسَلَامَةِ مَالِهِ وَتَخْلِيصِهِ، فَإِذَا رَضِيَ بِتَلَفِهِ، لَمْ يَجُزْ إتْلَافُ غَيْرِهِ.

وَإِنْ قَالَ: لَا أُتْلِفُ مَالِي، وَلَا أَغْرَمُ شَيْئًا، لَمْ نُمَكِّنْهُ مِنْ إتْلَافِ مَالِ صَاحِبِهِ، لَكِنَّ صَاحِبَ الْقُمْقُمِ لَا يُجْبَرُ عَلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْقُمْقُمَ لَا حُرْمَةَ لَهُ، فَلَا يُجْبَرُ صَاحِبُهُ عَلَى تَخْلِيصِهِ، وَأَمَّا صَاحِبُ الشَّاةِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، فَيُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تَذْبَحَ الشَّاةَ لِتُرِيحَهَا مِنْ الْعَذَابِ، وَإِمَّا أَنْ تَغْرَمَ الْقُمْقُمَ لِصَاحِبِهِ، إذَا كَانَ كَسْرُهُ أَقَلَّ ضَرَرًا، وَيُخَلِّصُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَةِ إبْقَائِهَا أَوْ تَخْلِيصِهَا مِنْ الْعَذَابِ، فَلَزِمَهُ كَعَلَفِهَا. وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ غَيْرَ مَأْكُولٍ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَأْكُولِ فِيمَا ذَكَرْنَا.

وَاحْتَمَلَ أَنْ يُكْسَرَ الْقُمْقُمُ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِي ذَبْحِهِ، وَلَا هُوَ مَشْرُوعٌ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلِهِ.» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى الْمَأْكُولِ فِي أَنَّهُ مَتَى كَانَ قَتْلُهُ أَقَلَّ ضَرَرًا، وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ صَاحِبِهِ، قُتِلَ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مُعَارِضَةٌ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ الَّذِي يُتْلِفُ مَالَهُ، وَالنَّهْيُ عَنْ ذَبْحِهِ مُعَارَضٌ بِالنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَفِي كَسْرِ الْقُمْقُمِ مَعَ كَثْرَةِ قِيمَتِهِ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>