للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّهُ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا رِبْحَ بَعْضِ الْمَالِ دُونَ بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ جَعَلَ الْآخَرَ، فَلَمْ يَجُزْ. كَمَا لَوْ قَالَ: لَك رِبْحُ هَذِهِ الْخَمْسِمِائَةِ. وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُفْرِدَ نِصْفَ الْمَالِ، فَيَرْبَحَ فِيهِ دُونَ النِّصْفِ الْآخَرِ، بِخِلَافِ نِصْفِ الرِّبْحِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى انْفِرَادِهِ بِرِبْحِ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ.

[مَسْأَلَة الْمُضَارِبُ إذَا بَاعَ بِنَسِيئَةِ بِغَيْرِ أَمْرٍ ضَمِنَ]

(٣٦٦٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ (وَالْمُضَارِبُ إذَا بَاعَ بِنَسِيئَةِ بِغَيْرِ أَمْرٍ، ضَمِنَ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى لَا يَضْمَنُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُضَارِبَ وَغَيْرَهُ مِنْ الشُّرَكَاءِ، إذَا نَصَّ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ، فَقَالَ: نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً أَوْ قَالَ: بِنَقْدِ الْبَلَدِ. أَوْ ذَكَرَ نَقْدًا غَيْرَهُ، جَازَ، وَلَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ، فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ، كَالْوَكِيلِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مَقْصُودَ الْمُضَارَبَةِ. وَقَدْ يَطْلُبُ بِذَلِكَ الْفَائِدَةَ فِي الْعَادَةِ.

وَإِنْ أَطْلَقَ، فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ حَالًّا، وَفِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْبَيْعُ نَسِيئَةً بِغَيْرِ إذْنٍ صَرِيحٍ فِيهِ، كَالْوَكِيلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّائِبَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ وَالِاحْتِيَاطِ، وَفِي النَّسِيئَةِ تَغْرِيرٌ بِالْمَالِ، وَقَرِينَةُ الْحَالِ تُقَيِّدُ مُطْلَقَ الْكَلَامِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: بِعْهُ حَالًا.

وَالثَّانِيَة: أَنَّهُ، يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ نَسَاءٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُضَارَبَةِ يَنْصَرِفُ إلَى التِّجَارَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَهَذَا عَادَةُ التُّجَّارِ، وَلِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ الرِّبْحَ، وَالرِّبْحُ فِي النَّسَاءِ أَكْثَرُ. وَيُفَارِقُ الْوَكَالَةَ الْمُطْلَقَةَ؛ فَإِنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِقَصْدِ الرِّبْحِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الثَّمَنِ فَحَسْبُ، فَإِذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ مِنْ غَيْرِ خَطَرٍ، كَانَ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْوَكَالَةَ الْمُطْلَقَةَ فِي الْبَيْعِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَاجَةَ الْمُوَكِّلِ إلَى الثَّمَنِ نَاجِزَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَة.

وَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك. فَلَهُ الْبَيْعُ نَسَاءً. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ: تَصَرَّفْ كَيْف شِئْت، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ نَسَاءً فِي الْمَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ.

وَلَنَا، أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ لَفْظِهِ، وَقَرِينَةُ حَالِهِ تَدُلُّ عَلَى رِضَائِهِ بِرَأْيِهِ فِي صِفَاتِ الْبَيْعِ، وَفِي أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، وَهَذَا مِنْهَا.

فَإِذَا قُلْنَا: لَهُ الْبَيْعُ نَسَاءً. فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَمَهْمَا فَاتَ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ، إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ بِبَيْعِ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ، أَوْ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ، فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ الَّذِي انْكَسَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي.

وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ نَسَاءً، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: يَقِفُ بَيْعُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْإِجَازَةِ. فَهَاهُنَا مِثْلُهُ.

وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ صِحَّةَ؛ الْبَيْعِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الضَّمَانَ؛ وَلَمْ يَذْكُرْ فَسَادَ الْبَيْعِ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَلْزَمُ الْعَامِلَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ الثَّمَنِ حَصَلَ بِتَفْرِيطِهِ.

فَإِنْ قُلْنَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ، ضَمِنَ الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهُ، إمَّا لِتَلَفِ الْمَبِيعِ أَوْ امْتِنَاعِ الْمُشْتَرِي مِنْ رَدِّهِ إلَيْهِ.

وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ، احْتَمَلَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِقِيمَتِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ بِالْبَيْعِ أَكْثَرُ مِنْهَا، وَلَا يُتَحَفَّظُ

<<  <  ج: ص:  >  >>