للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: " فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً ".

وَهَذَا يُقَيِّدُ مُطْلَقَ الزِّيَادَةِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَلِأَنَّ سَائِرَ الْفُرُوضِ لَا تَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ جُزْءٍ. وَعَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ مَتَى بَلَغْت الْإِبِلُ مِائَةً وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتِّينَ أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ. ثُمَّ كُلَّمَا زَادَتْ عَشْرًا أُبْدِلَتْ مَكَانَ بِنْتِ لَبُونٍ حِقَّةٌ، فَفِي مِائَةٍ وَسَبْعِينَ حِقَّةٌ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَثَمَانِينَ حِقَّتَانِ وَابْنَتَا لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَتِسْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ.

فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ اجْتَمَعَ الْفَرْضَانِ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا خَمْسِينَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَأَرْبَعِينَ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ، أَيَّ الْفَرْضَيْنِ شَاءَ أَخْرَجَ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَفْضَلِ مِنْهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ عَلَيْهِ أَرْبَعَ حِقَاقٍ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَرْبَعَ حِقَاقٍ بِصِيغَةِ التَّخْيِيرِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخْرِجُ وَلِيًّا لِيَتِيمٍ أَوْ مَجْنُونٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَدْنَى الْفَرْضَيْنِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْخِيَرَةُ إلَى السَّاعِي. وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إذَا أَخْرَجَ لَزِمَهُ إخْرَاجُ أَعْلَى الْفَرْضَيْنِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧] . وَلِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ الْفَرْضَيْنِ، فَكَانَتْ الْخِيَرَةُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ أَوْ نَائِبِهِ، كَقَتْلِ الْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ.

وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ، الَّذِي كَتَبَهُ، وَكَانَ عِنْدَ الْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: «فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ، فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ، أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ، أَيُّ الْبِنْتَيْنِ وُجِدَتْ أُخِذَتْ» . وَهَذَا نَصٌّ لَا يَعْرُجُ مَعَهُ عَلَى شَيْءٍ يُخَالِفُهُ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لِمُعَاذٍ: إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» .

وَلِأَنَّهَا زَكَاةٌ ثَبَتَ فِيهَا الْخِيَارُ، فَكَانَ ذَلِكَ لِرَبِّ الْمَالِ، كَالْخِيَرَةِ فِي الْجُبْرَانِ بَيْنَ مِائَتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَبَيْنَ النُّزُولِ وَالصُّعُودِ، وَتَعْيِينِ الْمُخْرَجِ، وَلَا تَتَنَاوَلُ الْآيَةُ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ الْفَرْضَ بِصِفَةِ الْمَالِ، فَيَأْخُذُ مِنْ الْكِرَامِ كَرَائِمَ، وَمِنْ غَيْرِهَا مِنْ وَسَطِهَا، فَلَا يَكُونُ خَبِيثًا، لِأَنَّ الْأَدْنَى لَيْسَ بِخَبِيثٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا سَبَبُ وُجُوبِهِ وَجَبَ إخْرَاجُهُ، وَقِيَاسُهُمْ يَبْطُلُ بِشَاةِ الْجُبْرَانِ، وَقِيَاسُنَا أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ قِيَاسَ الزَّكَاةِ عَلَى الزَّكَاةِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الدِّيَاتِ.

إذَا ثَبَتَ هَذَا فَكَانَ أَحَدُ الْفَرْضَيْنِ فِي مَالِهِ دُونَ الْآخَرِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إخْرَاجِهِ أَوْ شِرَاءِ الْآخَرِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ سِوَى إخْرَاجِ الْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي عَيْنِ الْمَالِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الْمَوْجُودِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبْ فِي عَيْنِ الْمَالِ. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شِرَاءِ الْآخَرِ.

[فَصْلُ أَرَادَ إخْرَاجَ الْفَرْضِ مِنْ النَّوْعَيْنِ فِي زَكَاة الأبل]

(١٧٠١) فَصْلٌ: فَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَ الْفَرْضِ مِنْ النَّوْعَيْنِ، نَظَرْنَا؛ فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَشْقِيصٍ، كَرَجُلٍ عِنْدَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>