فَبَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ، فَلَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ، وَلِأَنَّنَا لَوْ جَعَلْنَا لَهُ الْخِيَارَ لَثَبَتَ لِتَوَهُّمِ الزِّيَادَةِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ لَا تُثْبِتُ الْخِيَارَ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ، فَبَانَ غَيْرَ مَعِيبٍ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ.
وَلَنَا، أَنَّهُ جَاهِلٌ بِصِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْمُشْتَرِيَ، فَأَمَّا الْخَبَرُ، فَإِنَّهُ قَوْلُ جُبَيْرٍ وَطَلْحَةَ، وَقَدْ خَالَفَهُمَا عُثْمَانُ، وَقَوْلُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّضَى مِنْهُمَا، فَتُعْتَبَرُ الرُّؤْيَةُ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ الرِّضَى مِنْهُمَا.
[فَصْلٌ إذَا وَصَفَ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي فَذَكَرَ لَهُ مِنْ صِفَاته مَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ السَّلَم]
(٢٧٧٤) فَصْلٌ: وَإِذَا وَصَفَ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي، فَذَكَرَ لَهُ مِنْ صِفَاتِهِ مَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ السَّلَمِ، صَحَّ بَيْعُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، لَا يَصِحُّ حَتَّى يَرَاهُ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تَحْصُلُ بِهَا مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ، فَلَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِهَا كَاَلَّذِي لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ بَيْعٌ بِالصِّفَةِ، فَصَحَّ كَالسَّلَمِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ، فَإِنَّهَا تَحْصُلُ بِالصِّفَاتِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الثَّمَنُ ظَاهِرًا، وَهَذَا يَكْفِي؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي السَّلَمِ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الرُّؤْيَةِ الِاطِّلَاعُ عَلَى الصِّفَاتِ الْخَفِيَّةِ، وَأَمَّا مَا لَا يَصِحُّ السَّلَمْ فِيهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِهَا.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ مَتَى وَجَدَهُ عَلَى الصِّفَةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفَسْخُ. وَبِهَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَأَيُّوبُ، وَمَالِكٌ، وَالْعَنْبَرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَهُ الْخِيَارُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى بَيْعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَلِأَنَّ الرُّؤْيَةَ مِنْ تَمَامِ الْعَقْدِ، فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمَوْصُوفِ.
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَلَنَا، أَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَوْصُوفٌ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْعَاقِدِ فِيهِ الْخِيَارُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، كَالسَّلَمِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يُسَمَّى بَيْعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ. لَا نَعْرِفُ صِحَّتَهُ، فَإِنْ ثَبَتَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُسَمِّيَهُ مَنْ يَرَى ثُبُوتَ الْخِيَارِ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَأَمَّا إنْ وَجَدَهُ بِخِلَافِ الصِّفَةِ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَيُسَمَّى خِيَارَ الْخَلْفِ فِي الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ الْمَوْصُوفَ بِخِلَافِ الصِّفَةِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَالسَّلَمِ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْبَائِعُ: لَمْ تَخْتَلِفْ الصِّفَةُ. وَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَدْ اخْتَلَفَتْ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، فَلَا يَلْزَمُهُ، مَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ، أَوْ يَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا.
[فَصْلٌ الْبَيْعُ بِالصِّفَةِ نَوْعَانِ]
(٢٧٧٥) فَصْلٌ: وَالْبَيْعُ بِالصِّفَةِ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا، بَيْعُ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك عَبْدِي التُّرْكِيَّ. وَيَذْكُرُ سَائِرَ صِفَاتِهِ، فَهَذَا يَنْفَسِخُ