للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنَافِدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَإِنْ عَارَضَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ قَلْعُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ، وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مَنْعَهُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَفَقَ بِمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مِلْكُ أَحَدٍ فِيهِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ، فَكَانَ جَائِزًا، كَالْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ وَالْجُلُوسِ فِيهَا. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَا يَضُرُّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ فِي شَارِعٍ تَمُرُّ فِيهِ الْجُيُوشُ وَالْأَحْمَالُ، فَيَكُونُ بِحَيْثُ إذَا سَارَ فِيهِ الْفَارِسُ وَرُمْحُهُ مَنْصُوبٌ لَا يَبْلُغُهُ.

وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: لَا يُقَدَّرُ بِذَلِكَ، بَلْ يَكُونُ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بالعماريات وَالْمَحَامِلِ. وَلَنَا، أَنَّهُ بِنَاءٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَبِنَاءِ الدَّكَّةِ أَوْ بِنَاءِ ذَلِكَ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ، وَيُفَارِقُ الْمُرُورَ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنَّهَا جُعِلَتْ لِذَلِكَ، وَلَا مَضَرَّةَ فِيهِ، وَالْجُلُوسُ لَا يَدُومُ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُظْلِمُ الطَّرِيقَ، وَيَسُدُّ الضَّوْءَ، وَرُبَّمَا سَقَطَ عَلَى الْمَارَّةِ، أَوْ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَقَدْ تَعْلُو الْأَرْضُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ، فَيَصْدِمُ رُءُوسَ النَّاسِ، وَيَمْنَعُ مُرُورَ الدَّوَابِّ بِالْأَحْمَالِ، وَيَقْطَعُ الطَّرِيقَ إلَّا عَلَى الْمَاشِي، وَقَدْ رَأَيْنَا مِثْل هَذَا كَثِيرًا، وَمَا يُفْضِي إلَى الضَّرَرِ فِي ثَانِي الْحَالِ، يَجِبُ الْمَنْعُ مِنْهُ فِي ابْتِدَائِهِ، كَمَا لَوْ أَرَادَ بِنَاءَ حَائِطٍ مَائِلٍ إلَى الطَّرِيقِ يُخْشَى وُقُوعُهُ عَلَى مِنْ يَمُرُّ فِيهَا.

وَعَلَى أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ بِنَاءٌ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ، لَوْ مَنَعَ مِنْهُ بَعْضُ أَهْلِهِ لَمْ يَجُزْ، فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ إلَى هَوَاءِ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا، كَمَا لَا يَجُوزُ إذَا مَنَعَ مِنْهُ.

[فَصْلٌ لَا يَبْنِي فِي الطَّرِيقِ دُكَّانًا]

(٣٥٢٠) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ فِي الطَّرِيقِ دُكَّانًا، بِغَيْرِ خِلَافِ نَعْلَمُهُ، سَوَاءٌ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا أَوْ غَيْرَ وَاسِعٍ، سَوَاءٌ أَذِنَ الْإِمَامُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلِأَنَّهُ يُؤْذِي الْمَارَّةَ وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ، وَيَعْثُرُ بِهِ الْعَاثِرُ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا.

[فَصْل لَا يَبْنِي دُكَّانًا وَلَا يَخْرُج رَوِشْنَا وَلَا سَابَاطًا عَلَى دَرْب غَيْر نَافِذ]

(٣٥٢١) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ دُكَّانًا، وَلَا يُخْرِجَ رَوْشَنًا وَلَا سَابَاطًا عَلَى دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الدَّرْبِ بَابٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي الدَّرْبِ بَابٌ، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ أَيْضًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ لَهُ إخْرَاجَ الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الدَّرْبِ اسْتِطْرَاقًا، فَمَلَكَ ذَلِكَ، كَمَا يَمْلِكُهُ فِي الدَّرْبِ النَّافِذِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ بِنَاءٌ فِي هَوَاءِ مِلْكِ قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ بَابٌ، وَلَا نُسَلِّمُ الْأَصْلَ الَّذِي قَاسُوا عَلَيْهِ. فَأَمَّا إنْ أَذِنَ أَهْلُ الدَّرْبِ فِيهِ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، فَجَازَ بِإِذْنِهِمْ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَالِكُ وَاحِدًا. وَإِنْ صَالَحَ أَهْلَ الدَّرْبِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ، جَازَ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِلْهَوَاءِ دُونَ الْقَرَارِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>